حكمة الزواج

قال ابن مسعود: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها، ولي طول النكاح فيهن، لتزوجت مخافة الفتنة) .
حكمة الزواج:
وإنما رغب الاسلام في الزواج على هذا النحو، وحبب فيه لما يترتب عليه من آثار نافعة على الفرد نفسه، وعلى الامة جميعا، وعلى النوع الانساني عامة:
1 - فإن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي تلح على صاحبها دائما في إيجاد مجال لها، فما لم يكن ثمة ما يشبعها، انتاب الانسان الكثير من القلق والاضطراب، ونزعت به إلى شر منزع.
والزواج هو أحسن وضع طبيعي، وأنسب مجال حيوي لارواء الغريزة وإشباعها.
فيهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس من الصراع، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام، وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله.
وهذا هو ما أشارت إليه الاية الكريمة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، أن في ذلك لايات لقوم يتفكرون) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) .
رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي.
2 - والزواج هو أحسن وسيلة لانجاب الاولاد وتكثير النسل، واستمرار الحياة مع المحافظة على الانساب التي يوليها الاسلام عناية فائقة، وقد تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الانبياء يوم القيامة) .
وفي كثرة النسل من المصالح العامة والمنافع الخاصة، ما جعل الامم تحرص أشد الحرص على تكثير سواد أفرادها بإعطاء المكافات التشجيعية لمن كثر نسله

وزاد عدد أبنائه، وقديما قيل: إنما العزة للكاثر. ولا تزال هذه حقيقة قائمة لم يطرأ عليها ما ينقضها.
دخل الاحنف بن قيس على معاوية - ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجابا به - فقال: يا أبا بحر ما تقول في الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وان استعتبوك (1) فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك (2) فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك. فقال: لله درك يا أبا بحر، هم كما وصفت (3) .
3 - ثم أن غريزة الابوة والامومة تنمو وتتكامل في ظلال الطفولة، وتنمو مشاعر العطف والود والحنان، وهي فضائل لا تكمل إنسانية إنسان بدونها.
4 - الشعور بتبعة الزواج، ورعاية الاولاد يبعث على النشاط وبذل الوسع في تقوية ملكات الفرد ومواهبه.
فينطلق إلى العمل من أجل النهوض بأعبائه،
والقيام بواجبه.
فيكثر الاستغلال وأسباب الاستثمار مما يزيد في تنمية الثروة وكثرة الانتاج، ويدفع إلى استخراج خيرات الله من الكون وما أودع فيه من أشياء ومنافع للناس.
5 - توزيع الاعمال توزيعا ينتظم به شأن البيت من جهة، كما ينتظم به العمل خارجه من جهة أخ رى، مع تحديد مسؤولية كل من الرجل والمرأة فيما يناط به من أعمال.
فالمرأة تقوم على رعاية البيت وتدبير المنزل، وتربية الاولاد، وتهيئة الجو الصالح للرجل ليستريح فيه ويجد ما يذهب بعنائه، ويجدد نشاطه، بينما يسعى الرجل وينهض بالكسب، وما يحتاج إليه البيت من مال ونفقات.
وبهذا التوزيع العادل يؤدي كل منهما وظائفه الطبيعية على الوجه الذي

(1) استعتبوك: طلبوا منك الرضى.
(2) رفدك: عطاءك.
(3) الامالي لابي علي القالي.