الظهار

الظهار:

تعريفه: الظهار مشتق من الظهر، وهو قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي.
قال في الفتح: " وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الاعضاء، لانه محل الركوب غالبا، ولذلك سمي المركوب ظهرا، فشبهت المرأة بذلك.
لانها مركوب الرجل ".
والظهار كان طلاقا في الجاهلية، فأبطل الاسلام هذا الحكم، وجعل
الظهر محرما للمرأة حتى يكفر زوجها.
فلو ظاهر الرجل يريد الطلاق، كان ظهارا، ولو طلق يريد ظهارا كان طلاقا، فلو قال: " أنت علي كظهر أمي "، وعنى به الطلاق لم يكن طلاقا، وكان ظهارا لا تطلق به المرأة.
قال ابن القيم: " وهذا لان الظهار كان طلاقا في الجاهلية، فنسخ، فلم يجز أن يعاد إلى الحكم المنسوخ، وأيضا أن أوس بن الصامت إنما نوى به الطلاق على ما كان عليه، وأجرى عليه حكم الظهار دون الطلاق، وأيضا فإنه صريح في حكمه، فلم يجز جعله كناية في الحكم الذي أبطله الله بشرعه، وقضاء الله أحق، وحكم الله أوجب " اه.
وقد أجمع العلماء على حرمته، فلا يجوز الاقدام عليه لقول الله تعالى: " الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم، إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، وإن الله لعفو غفور " (1) .
وأصل ذلك ما ثبت في السنن أن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة، وهي التي جادلت فيه رسول الله صلى الله عليه

(1) سورة المجادلة: آية 2.

وسلم واشتكت إلى الله، وسمع الله شكواها من فوق سبع سموات.
فقالت: " يا رسول الله؟ إن أوس بن الصامت تزوجني، وأنا شابة مرغوب في، فلما خلا سني، ونثرت بطني، جعلني كأمة عنده.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما عندي في أمرك شئ ".
فقالت: " اللهم إني أشكو إليك ".
وروي أنها قالت: " ان لي صبية صغارا، ان ضمهم إليه ضاعوا.
وإن ضممتهم إلي جاعوا ": فنزل القرآن..وقالت عائشة: الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في كسر البيت، يخفي علي بعض كلامها، فأنزل الله عزوجل: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاور كما، إن الله سميع بصير " (1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليعتق رقبة.
قالت: لا يجد! قال: فيصوم شهرين متتابعين.
قالت: يارسول الله إنه شيخ كبير، ما به من صيام.
قال: فليطعم ستين مسكينا.
قالت: ما عنده من شئ يتصدق به.
قال: سأعينه بعرق من تمر! قالت: وأنا أعينه بعرق آخر؟ قال: أحسنت، فأطعمي عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك ".
وفي السنن أن سلمة بن صخر البياضي، ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، تم واقعها ليلة قبل انسلاخه.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت بذاك (2) يا سلمة.
قال: قلت: أنا بذاك يارسول الله؟ - مرتين - وأنا صابر لامر الله، فاحكم في بما أراك الله.
قال: حرر رقبة.
قلت: والذي بعثك بالحق نبيا ما أملك رقبة غيرها، وضربت رقبتي، قال فصم شهرين

(1) سورة المجادلة آية 1.
(2) أي أنت الملم بذاك والمرتكب له.

متتابعين.
قلت: فهل أصبت الذي أصبت إلا في الصيام؟..قال: فأطعم وسقا من تمر ستين مسكينا.
قلت:: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين (1) ، ما لنا طعام قال: فانطلق إلى صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها.
قال: فرحت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله السعة وحسن الرأي، وقد أمر لي بصدقتكم ".
هل الظهار مختص بالام؟ ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالام، كما ورد في القرآن، وكما جاء في السنة.
فلو قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي كان مظاهرا، ولو قال لها: أنت علي كظهر أختي لم يكن ذلك ظهارا.
وذهب البعض، منهم الاحناف، والاوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه، وزيد بن علي، إلى أنه يقاس على الام جميع المحارم (2) .
فالظهار عندهم هو تشبيه الرجل زوجته في التحريم بإحدى المحرمات عليه على وجه التأييد بالنسب أو المصاهرة أو الرضاع، إذ العلة هي التحريم المؤبد.
ومن قال لامرأته: إنها أختي أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير فإنه لا يكون مظاهرا.
من يكون منه الظهار: والظهار لا يكون إلا من الزوج العاقل البالغ المسلم لزوجة قد انعقد زواجها انعقادا صحيحا نافذا.
الظهار المؤقت:
الظهار المؤقت هو إذا ظاهر من امرأته إلى مدة.
مثل أن يقول لها: " أنت

(1) أي بتنا مقفرين لا طعام لنا.
(2) قال الائمة الثلاثة، ورواية عن أحمد: إذا قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أمي.
فانه لا كفارة عليها، وقال أحمد في الرواية الاخرى - وهي أظهرهما - يجب عليها الكفارة إذا وطئها، وهي التي اختارها الخرقي.

علي كظهر أمي إلى الليل " ثم أصابها قبل انقضاء تلك المدة.
وحكمه أنه ظهار كالمطلق.
قال الخطابي: واختلفوا فيه إذا بر فلم يحنث: فقال مالك وابن أبي ليل: إذا قال لامرأته: " أنت علي كظهر أمي إلى الليل " لزمته الكفارة وإن لم يقربها.
وقال أكثر أهل العلم: لا شئ عليه إن لم يقربها.
قال: وللشافعي في الظهار المؤقت قولان: أحدهما أنه ليس بظهار.
أثر الظهار: إذا ظاهر الرجل من امرأته، وصح الظهار ترتب عليه أثران: (الاثر الاول) حرمة إتيان الزوجة حتى يكفر كفارة الظهار، لقول الله سبحانه: " من قبل أن يتماسا ".
وكما يحرم المسيس، فإنه يحرم كذلك مقدماته، من التقبيل والمعانقة ونحو ذلك، وهذا عند جمهور العلماء.
وذهب بعض أهل العلم (1) إلى أن المحرم هو الوطء فقط، لان المسيس كناية عن الجماع.
(والاثر الثاني) وجوب الكفارة بالعود.
وما هو العود؟،
اختلف العلماء في العود.
ما هو؟ فقال قتادة، وسعيد بن جبير، وأبو حنيفة، وأصحابه: " إنه إرادة المسيس لما حرم بالظهار " لانه إذا أراد فقد عاد من عزم؟ إلى عزم الفعل، سواء فعل أم لا.
وقال الشافعي: بل هو إمساكها بعد الظهار وقتا يسع الطلاق، ولم يطلق إذ تشبيهها بالام يقتضي إبانتها، وإمساكها نقيضه، فإذا أمسكها فقد عاد فيما قال، لان العود للقول مخالفته.
وقال مالك وأحمد: بل هو العزم على الوطء فقط، وإن لم يطأ.

(1) هذا رأي الثوري، وأحد قولي الشافعي.

وقال داود، وشعبة، وأهل الظاهر: بل إعادة لفظ الظهار.
فالكفارة لا تجب عندهم إلا بالظهار المعاد، لا المبتدأ.
المسيس قبل التكفير: إذا مس الرجل زوجته قبل التكفير فإن ذلك يحرم، كما تقدم بيانه، والكفارة لا تسقط ولا تتضاعف، بل تبقى كما هي، كفارة واحدة.
قال الصلت بن دينار: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر؟ فقالوا: كفارة واحدة.
ما هي الكفارة: والكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فإطعام ستين مسكينا.
لقول الله سبحانه: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، ذلكم توعظون به، والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا (1) ".
وقد روعي في كفارة الظهار التشديد، محافظة على العلاقة الزوجية، ومنعا من ظلم المرأة.
فإن الرجل إذا رأى أن الكفارة يثقل عليه الوفاء بها، احترم العلاقة الزوجية، وامتنع عن ظلم زوجته.

(1) المجادلة آية 3، 4.