الخلع

الخلع:

الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن، والمودة، والرحمة، وحسن المعاشرة، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق.
وقد يحدث أن يكره الرجل زوجته، أو تكره هي زوجها.
والاسلام في هذه الحال يوصي بالصبر والاحتمال، وينصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية، قال الله تعالى: " وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " (1) .
وفي الحديث الصحيح: " لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ".
إلا أن البغض قد يتضاعف، ويشتد الشقاق، ويصعب العلاج، وينفد الصبر، ويذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة، والرحمة، وأداء الحقوق.
وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للاصلاح، وحينئذ يرخص الاسلام بالعلاج الوحيد الذي لابد منه.
فإن كانت الكراهية من جهة الرجل، فبيده الطلاق، وهو حق من حقوقه، وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.
وان كانت الكراهية من جهة المرأة، فقد أباح لها الاسلام أن تتخلص من الزوجية بطريق الخلع، بأن تعطي الزوج ما كان أخذ ت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها.
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " (2) .
وفي أخذ الزوج الفدية عدل وإنصاف، إذ أنه هو الذي أعطاها المهر

(1) سورة النساء آية 19.
(2) سورة البقرة 229.

وبذل تكاليف الزواج، والزفاف، وأنفق عليها، وهي التي قابلت هذا كله بالجحود، وطلبت الفراق، فكان من النصفة أن ترد عليه ما أخذت.
وإن كانت الكراهية منهما معا: فإن طلب الزوج التفريق فبيده الطلاق وعليه تبعاته، وإن طلبت الزوجة الفرقة، فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك.
قيل إن الخلع وقع في الجاهلية.
ذلك أن عامر بن الظرب زوج ابنته ابن أخيه، عامر بن الحارث، فلما دخلت عليه، نفرت منه، فشكا إلى أبيها، فقال:: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها.
تعريفه: والخلع الذي أباحه الاسلام مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله، لان المرأة
لباس الرجل، والرجل لباس لها.
قال الله تعالى: " هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن " (1) .
ويسمى الفداء، لان المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها.
وقد عرفه الفقهاء بأنه " فراق الرجل زوجته يبدل يحصل له ".
والاصل فيه ما رواه البخاري، والنسائي، عن ابن عباس.
قال: " جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولادين (1) ولكني أكره الكفر في الاسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ".
ألفاظ الخلع: والفقهاء يرون أنه لابد في الخلع من أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه.
أو لفظ يؤدي معناه.
مثل المبارأة والفدية.
فإذا لم يكن بلفظ الخلع ولا

(1) سورة البقرة آية 187.
(2) أي أنها لا تريد مفارقته لسوء خلقه، ولا لنقصان دينه، ولكن كانت تكرهه لدمامته، وهي تكره أن تحملها الكراهية على التقصير فيما يجب له من حق، والمقصود بالكفر كفران العشير.

بلفظ فيه معناه.
كأن يقول لها: أنت طالق في مقابل مبلغ كذا، وقبلت، كان طلاقا على مال ولم يكن خلعا.
وناقش ابن القيم هذا الرأي فقال: " ومن نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها: يعد الخلع فسخا بأي لفظ كان، حتى بلفظ الطلاق ".
وهذا أحد الوجهين لاصحاب أحمد.
وهو إختيار شيخ الاسلام ابن تيمية، ونقل عن ابن عباس.
ثم قال ابن تيمية: " ومن اعتبر الالفاظ ووقف معها واعتبرها في أحكام العقود جعله " بلفظ الطلاق طلاقا ".
ثم قال ابن القيم مرجحا هذا الرأي.
وقواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها، لا صورها وألفاظها.
ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم - أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقة، ومع هذا أمرها أن تعتد بحيضة وهذا صريح في أنه فسخ، ولو وقع بلفظ الطلاق.
وأيضا فإنه سبحانه علق عليه أحكام الفدية بكونه فدية ومعلوم أن الفدية لا تختص بلفظ، ولم يعين الله سبحانه لها لفظا معينا.
وطلاق الفداء طلاق مقيد، ولا يدخل تحت أحكام الطلاق المطلق.
كما لا يدخل تحتها في ثبوت الرجعة والاعتداد بثلاثة قروء بالسنة الثابتة (1) ".
العوض في الخلع: الخلع - كما سبق - إزالة ملك النكاح في مقابل مال.
فالعوض جزء أساسي من مفهوم الخلع.
فإذا لما يتحقق العوض لا يتحقق الخلع.
فإذا قال الزوج لزوجته: خالعتك، وسكت.
لم يكن ذلك خلعا، ثم إنه إن نوى الطلاق، كان طلاقا رجعيا.
وإن لم ينو شيئا لم يقع به شئ، لانه من ألفاظ الكتابة التي تفتقر إلى النية.

(1) زاد الميعاد ص 27 ج 4.

كل ما جاز أن يكون مهرا جاز أن يكون عوضا في الخلع: ذهبت الشافعية إلى أنه لافرق في جواز الخلع، بين أن يخالع على الصداق،
أو على بعضه، أو على مال آخر، سواء كان أقل من الصداق أم أكثر.
ولافرق بين العين، والدين والمنفعة.
وضابطه أن " كل ما جاز أن يكون صداقا جاز أن يكون عوضا في الخلع " لعموم قوله تعالى: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به ".
ولانه عقد على بضع فأشبه النكاح.
ويشترط في عوض الخلع أن يكون معلوما متمولا، مع سائر شروط الاعواض، كالقدرة على التسليم، استقرار الملك وغير ذلك، لان الخلع عقد معاوضة، فأشبه البيع والصداق، وهذا صحيح في الخلع الصحيح.
أما الخلع الفاسد فلا يشترط العلم به، فلو خالعها على مجهول، كثوب غير معين، أو على حمل هذه الدابة، أو خالعها بشرط فاسد.
كشرط ألا ينفق عليها وهي حامل، أو لاسكنى لها، أو خالعها بألف إلى أجل مجهول ونحو ذلك - بانت منه بمهر المثل.
أما حصول الفرقة، فلان الخلع، إما فسخ أو طلاق، فإن كان فسخا فالنكاح لا يفسد بفساد العوض، فكذا فسخه، إذ الفسوخ تحكي العقود.
وإن كان طلاقا، فالطلاق يحصل بلا عوض، وماله حصول بلا عوض فيحسن مع فساد العوض، كالنكاح، بل أولى، ولقوة الطلاق وسرايته.
أما الرجوع إلى مهر المثل، فلان قضية فساد العوض ارتداد العوض الآخر.
والبضع لا يرتد بعد حصول الفرقة، فوجب رد بدله.
ويقاس بما ذكرنا ما يشبهه، لان ما لم يكن ركنا في شئ لا يضر الجهل به كالصداق.
ومن صور ذلك ما لو خالعها على ما في كفها، ولم يعلم، فإنها تبين منه بمهر المثل.
فإن لم يكن في كفها شئ.
ففي الوسيط أنه يقع طلاقا رجعيا، والذي نقله غيره أنه يقع بائنا بمهر المثل.
أما المالكية فقالوا: يجوز الخلع بالغرر كجنين ببطن بقرة أو غيره،

فلو نفق (1) الحمل فلا شئ له، وبانت.
وجاز بغير موصوف، وبثمرة لم يبد صلاحها، وبإسقاط حضانتها لولده.
وينتقل الحق له.
وإذا خالعها بشئ حرام.
كخمر، أو مسروق علم به، فلا شئ له، وبانت، وأريق الخمر، ورد المسروق لربه، ولا يلزم الزوجة شئ بدل ذلك، حيث كان الزوج عالما بالحرمة، علمت هي أم لا.
أما لو علمت هي بالحرمة دونه فلا يلزمه الخلع.
الزيادة في الخلع على ما أخذت الزوجة من الزوج: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز أن يأخذ الزوج من الزوجة زيادة على ما أخذت منه، لقول الله تعالى: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به (2) ".
وهذا عام يتناول القليل والكثير.
روى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: " كانت أختي تحت رجل من الانصار، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتردين حديقته؟ قالت: وأزيد عليها، فردت عليه حديقته وزادته (3) ".
ويرى بعض العلماء: أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر مما أخذت منه، لما رواه الدارقطني بإسناد صحيح: " أن أبا الزبير قال: إنه كان أصدقها حديقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته التي أعطاك.
قالت: نعم وزيادة.
فقال النبي صلى الله وسلم: أما الزيادة فلا، ولكن حديقته.
قالت: نعم ".
وأصل الخلاف في هذه المسألة الخلاف في تخصيص عموم الكتاب بالاحاديث الآحادية.

(1) نفق: هلك.
(2) سورة البقرة آية 229.
(3) يرى علماء الحديث أن هذا الحديث ضعيف.