تمهيد: رسالة الاسلام وعمومها والغاية منها

تمهيد رسالة الاسلام وعمومها والغاية منها أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، والشريعة الجامعة التي تكفل للناس الحياة الكريمة المهذبة والتي تصل بهم إلى أعلى درجات الرقي والكمال.
وفي مدى ثلاثة وعشرين عاما تقريبا، قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس إلى الله، تم له ما أراد من تبليغ الدين وجمع الناس عليه.

عموم الرسالة:
ولم تكن رسالة الاسلام رسالة موضعية محددة، يختص بها جيل من الناس دون جيل، أو قبيل دون قبيل، شأن الرسالات التي تقدمتها، بل كانت رسالة عامة للناس جميعا إلى أن يرث الله الارض ومن عليها، لا يختص بها مصر دون مصر، ولا عصر دون عصر.
قال الله تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)) وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) (2) وقال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، الذي له ملك السموات والارض، لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) (3) وفي الحديث الصحيح: (كان كل نبي يبعث في قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود) .

(1) الاية 1 من سورة الفرقان.
(2) الاية 28 من سورة سبأ.
(3) الاية 158 من سورة الاعراف.

ومما يؤكد عموم هذه الرسالة وشمولها ما يأتي:
1 - أنه ليس فيها ما يصعب على الناس اعتقاده، أو يشق عليهم العمل به قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (1) وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (2) وقال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (3) وفي البخاري من حديث أبي سعيد المقبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) .
وفي مسلم مرفوعا: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة) .
2 - أن ما لا يختلف باختلاف الزمان والمكان، كالعقائد والعبادات، جاء مفصلا تفصيلا كاملا، وموضحا بالنصوص المحيطة به، فليس لاحد أن يزيد فيه أو ينقص منه، وما يختلف باختلاف الزمان والمكان، كالمصالح المدنية، والامور السياسية والحربية، جاء مجملا، ليتفق مع مصالح الناس في جميع العصور، ويهتدي به أولو الامر في إقامة الحق والعدل.
3 - أن كل ما فيها من تعاليم إنما يقصد به حفظ الدين، وحفظ النفس
وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وبدهي أن هذا يناسب الفطر ويساير العقول، ويجاري التطور ويصلح لكل زمان ومكان.
قال الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون.
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والاثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (4)) وقال جل شأنه: (ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم

(1، 2) من سورة البقرة.
(3) بعض من آية 78 من سورة الحج.
(4) سورة الاعراف آية 32 - 33