الترغيب في الزواج

(4) ونكاح رابع: يجتمع ناس كثير، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها - وهن البغايا (1) - ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن.
فإذا حملت إحداهن ووضعت، جمعوا لها، ودعوا لهم القافة (2) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به (3) ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك.
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم.
وهذا النظام الذي أبقى عليه الاسلام، لا يتحقق إلا بتحقق أركانه من الايجاب والقبول، وبشرط الاشهاد.
وبهذا يتم العقد الذي يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالاخر على الوجه
الذي شرعه الله.
وبه تثبت الحقوق والواجبات التي تلزم كلا منها.

الترغيب في الزواج:
وقد رغب الاسلام في الزواج بصور متعددة الترغيب. فتارة يذكر أنه من سنن الانبياء وهدى المرسلين.
وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم: (ولقد أرسلنا مرسلا رسلا من قبلك، وجعلنا لهم أزواجا وذرية) .
وفي حديث الترمذي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من سنن المرسلين: الحناء (4) ، والتعطر، والسواك، والنكاح) .

(1) البغايا: الزواني.
(2) القافة: جمع قائف وهو من يشبهه بين الناس، فيلحق الولد بالشبيه.
(3) التاط به: التصق به وثبت النسب بينهما.
(4) وقال بعض الرواة: الحياء بالياء.

وتارة يذكر في معرض الامتنان: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات) .
وأحيانا يتحدث عن كونه آية من آيات الله: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون) .
وقد يتردد المرء في قبول الزواج، فيحجم عنه خوفا من الاضطلاع
بتكاليفه، وهروبا من احتمال أعبائه.
فيلفت الاسلام نظره إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلا إلى الغنى، وأنه سيحمل عنه هذه الاعباء ويمده بالقوة التي تجعله قادرا على التغلب على أسباب الفقر: (وأنكحوا الأيامى (1) منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم (2) ، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، والله واسع عليم) وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الاداء، والناكح الذي يريد العفاف) .
والمرأة خير كنز يضاف إلى رصيد الرجل.
روى الترمذي وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه، قال لما نزلت: (والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله، فبشرهم بعذاب أليم) .
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: (لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) .

(1) الأيامى: جمع أيم، وهو الذي لا زوجة له، أو التي لا زوج لها.
(2) العباد: العبيد.

وروى الطبري بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من أصابهن فقد أعطي خير الدنيا والاخرة: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وبدنا على البلاء صابرا، وزوجة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله) .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدنا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) .
وقد يخيل للانسان في لحظة من لحظات يقظته الروحية، أن يتبتل وينقطع عن كل شأن من شؤون الدنيا، فيقوم الليل، ويصوم النهار، ويعتزل النساء، ويسير في طريق الرهبانية المنافية لطبيعة الانسان.
فيعلمه الاسلام أن ذلك مناف لفطرته، ومغاير لدينه، وأن سيد الانبياء - وهو أخشى الناس لله وأتقاهم له - كان يصوم ويفطر، ويقوم وينام، ويتزوج النساء.
وأن من حاول الخروج عن هديه فليس له شرف الانتساب إليه.
روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا - كأنهم تقالوها (1) - فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟.
أما والله إني لاخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) .
والزوجة الصالحة فيض من السعادة يغمبر البيت ويملؤه سرورا وبهجة وإشراقا.

(1) عدوها قليلة.

فعن أبي أمامة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما استفاد المؤمن - بعد تقوى الله عز وجل - خيرا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله) .
رواه ابن ماجه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء) .
رواه أحمد بسند صحيح.
ورواه الطبراني، والبزاز، والحاكم وصححه، وقد جاء تفسير هذا الحديث في حديث آخر رواه الحاكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة، تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة (1) تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، وثلاث من الشقاء: المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفا (2) فان ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق) .
والزواج عبادة يستكمل الانسان بها نصف دينه، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء.
فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي) .
رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح الاسناد.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر) .
رواه ابن ماجه وفيه ضعف.

(1) وطيئة: ذلول سريعة السير.
(2) قطوفا: بطيئة.