المجتهد مأجور

أن يسلكه القاضي في قضائه لما بعث معاذا إلى اليمن فقال له: " بم تقضي؟ قال: بكتاب الله.
قال: فإن لم تجد. قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد. قال: فبرأيي " (1) .
وعلى القاضي أن يتحرى الحق فيبتعد عن كل ما من شأنه أن يشوش فكره فلا يقضي أثناء الغضب الشديد أو الجوع المفرط أوالهم المقلق أو الخوف المزعج أو النعاس الغالب أو الحر الشديد أو البرد الشديد أو شغل القلب شغلا يصرف عن المعرفة الصحيحة والفهم الدقيق.
ففي حديث أبي بكرة في الصحيحين وغيرهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان ".
فإذا حكم القاضي أثناء حالة من هذه الحالات صح حكمه إن وافق الحق عند جمهور الفقهاء.
المجتهد مأجور:
ومهما اجتهد القاضي في معرفة الحق وإصابة الصواب
فهو مأجور ولو لم يصب الحق.
فعن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران.
وان اجتهد

(1) رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

فأخطأ فله أجر " (1) .
قال الخطابي: إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لان اجتهاده عبادة. ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الاثم فقط.
وهذا فيمن كان من المجتهدين جامعا لالة الاجتهاد عارفا بالاصول وبوجوه القياس.
وأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ في الحكم بل يخاف عليه أعظم الوزر.
وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أنا بشر وانكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " (2) .
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن أحدهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك.

(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن

وقالت الاخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكما إلى داود فقضى للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها. فقضى به للصغرى ". وهذا من فقه سليمان.
فقد عمد إلى هذا الاسلوب لمعرفة الام الحقيقية فلما قال: ائتوني بالسكين أشقه، تحركت عاطفة الام الحقيقية ورفضت أن يقتل ابنها وآثرت أن يبقى حيا بعيدا عنها على قتله. فاستدل سليمان بهذه القرينة على أنه ابنها.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى قصة داود وسليمان فقال جل شأنه: " وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما وعلما ... " (1) .
ذكر المفسرون: أن الغنم انتشرت في الزرع فأفسدته، وأن أصحاب الزرع اختصموا معهم فرفعت القضية إلى داود ليحكم فيها فحكم داود بالغنم لاصحاب الزرع.

(1) سورة الانبياء الاية رقم 78 - 79