الدابة الموقوفة

ويرى أهل الظاهر أنه لا ضمان على واحد من هؤلاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ".
وما استدل به الظاهرية محمول على ما إذا لم يكن للدابة راكب، ولا سائق، ولا قائد " فإنه لا ضمان على ما أتلفته في هذه الحال بالاجماع ".
الدابة الموقوفة:
وأما الدابة الموقوفة إذا أصابت شيئا، فعند أبي حنيفة: يضمن ما أصابته ولا يعفيه من الضمان أن يربطها بموضع يجوز له أن يربطها فيه.
فعن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من وقف دابة في سبيل من سبل المسلمين، أو في سوق من أسواقهم،
فأوطأت بيد أو رجل فهو ضامن ".
رواه الدارقطني.
وقال الشافعي: إن أوقفها بحيث ينبغي له أن يوقفها لم يضمن، وإن لم يوقفها بحيث ينبغي له أن يوقفها ضمن.
ضمان ما أتلفته المواشي من الزروع والثمار وغيرها ذهب جمهور العلماء - منهم: مالك، والشافعي، وأكبر فقهاء الحجاز - إلى أن ما أفسدت الماشية بالنهار من: نفس، أو مال، للغير، فلاضمان على صاحبها، لان في عرف الناس، أن أصحاب الحوائط، والبساتين، يحفظونها بالنهار، وأصحاب المواشي يسرحونها بالنهار، ويردونهما بالليل إلى المراح، فمن خالف هذه العادة، كان خارجا عن رسوم الحفظ إلى التضييع.
هذا إذا لم يكن معها مالكها، وإن كان معها فعليه ضمان ما أتلفته، سواء كان راكبها أو سائقها، أو قائدها، أو كانت واقفة عنده، وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو فمها.

واستدلوا لمذهبهم هذا، بما رواه مالك، عن ابن شهاب عن حرام بن سعيد بن المحيصة: أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط (1) رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها (2) .
قال أبو عمر بن عبد البر: وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور، أرسله الائمة، وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة العمل به. وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث.
ويرى سحنون - من المالكية - أن هذا الحديث، إنما جاز في أمثال المدينة التي هي حيطان محدقة.
وأما البلاد التي هي زروع متصلة، غير محظرة، وبساتين كذلك، فيضمن أرباب النعم ما أفسدت من ليل أو نهار.
وذهبت الاحناف: إلى أنه إذا لم يكن معها مالكها فلا ضمان عليه، ليلا كان أو نهارا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار ".
فالاحناف يقيسون جميع أعمالها على جرحها.
وإن كان معها مالكها: فإن كان يسوقها فعليه ضمان ما أتلفت بكل حال، وإن كان قائدها أو راكبها فعليه ضمان ما أتلفت بفمها أو يدها، ولا يجب ضمان ما أتلفت برجلها.
وأجاب الجمهور، بأن الحديث الذي استدل به الاحناف عام، خصصه حديث البراء، هذا فيما يتصل بالزروع والثمار، أما غيرها فقد قال ابن قدامة في المغني: " وإن أتلفت البهيمة غير الزرع، لم يضمن مالكها ما أتلفته، ليلا كان أو نهارا، ما لم تكن يده عليها ".
وحكي عن شريح: أنه قضى - في شاة وقعت في غزل حائط ليلا - بالضمان على صاحبها.

(1) الحائط: البستان.
(2) ضامن: مضمون.