متى يقدر المسروق، سرقة الجماعة

متى يقدر المسروق:
وتعتبر قيمة المسروق وتقديره يوم السرقة عند مالك.
والشافعية، والحنابلة.
وقال أبو حنيفة: يقدر المسروق يوم الحكم عليه بالقطع.
سرقة الجماعة:
إذا سرقت الجماعة قدرا من المال بحيث لو قسم بينهم لكان نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه القطع فإنهم يقطعون جميعا باتفاق الفقهاء.
أما إذا كان هذا القدر من المال يبلغ نصابا، ولكنه لو قسم بين السارقين لا يبلغ نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه القطع فإنهم اختلفوا في ذلك.
فقال جمهور الفقهاء: يجب أن يقطعوا جميعا.
وقال أبو حنيفة: لا قطع حتى يكون ما يأخذه كل واحد منهم نصابا.
قال ابن رشد: فمن قطع الجميع رأي العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق
أي أن هذا القدر من المال المسروق هو الذي يوجب القطع لحفظ المال، ومن رأى أن القطع إنما علق بهذا القدر لا بما دونه لمكان حرمة اليد قال: لا تقطع أيد كثيرة فيما أوجب الشارع فيه القطع.
ما يعتبر في الموضع المسروق منه: وأما الموضع المسروق منه فإنه يعتبر فيه الحرز.
والحرز هو الموضع المعد لحفظ الشئ، مثل الدار والد كان والاصطبل والمراح، والجرين، ونحو ذلك.
ولم يرد فيه ضابط من جهة الشرع ولا من جهة اللغة وإنما يرجع فيه إلى العرف، واعتبر الشرع للحرز لانه دليل على عناية صاحب المال به وصيانته له والمحافظة عليه من التعرض للضياع، ودليل ذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل عن الحريسة (1) التي توجد في مراتعها، قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال، وما أخذ من عطنه (2) ففيه القطع إذا

(1) الحريسة: هي التي ترعى في الحقل وعليها حرس.
(2) العطن: الحظيرة.

بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن (1) قال: يارسول الله فالثوب وما أخذ منها في أكمامها قال: " من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة (2) فليس عليه شئ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن ".
رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه وحسنه الترمذي.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لا قطع في تمر معلق ولا في حريسة الجبل، فإذا أواه المراح أو الجرين (3) .
فالقطع فيما بلغ ثمن المجن ".
ففي هذين الحديثين اعتبار الحرز.
قال ابن القيم: فإنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة وأوجبه على سارقه من الجرين.
وعند أبي حنيفة رحمه الله أن هذا لنقصان ماليته لاسراع الفساد إليه، وجعل هذا أصلا في كل ما نقصت ماليته بإسراع الفساد إليه إليه وقول الجمهور أصح، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل له ثلاثة أحوال: حالة لا شئ فيها، وهي ما إذا أكل منه بفيه وحالة يغرم مثليه ويضرب من غير قطع، وهي ما إذا أخرجه من شجره وأخذه، وحالة يقطع فيها، وهو ما إذا سرقه من بيدره، سواء كان انتهى جفافه أم لم ينته، فالعبرة بالمكان والحرز لا بيبسه ورطوبته، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الشاة من مرعاها، وأوجبه على سارقها من عطنها فإنه حرز. انتهى.
وإلى اعتبار الحرز ذهب جمهور الفقهاء.
وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء ولم يشترطوا الحرز في القطع منهم: أحمد وإسحاق وزفر، والظاهرية، لان آية " والسارق والسارقة " عامة وأحاديث عمرو بن شعيب لا يصلح لتخصيصها للاختلاف الواقع فيها.

(1) أوجب القطع على من سرق الشاة من عطنها، وهو حرزها، وأسقطه عمن سرقها من مرعاها.
وفي هذا دليل على اعتبار الحرز.
(2) أي لم يأخذ شيئا من المسروق في طرف ثوبه.
(3) الجرين: موضع تحفيظ الثمار.

ورد ذلك ابن عبد البر فقال: أحاديث عمرو بن شعيب العمل بها واجب
إذا رواها الثقات.
اختلاف الحرز باختلاف الاموال: والحرز مختلف باختلاف الاموال، ومرجع ذلك إلى العرف فقد يكون الشئ حرزا في وقت دون وقت.
فالدار حرز لما فيها من أثاث، والجرين حرز للثمار، والاصطبل حرز للدواب، والمراح للغنم، وهكذا.
الانسان حرز لنفسه: والانسان حرز لثيابه ولفراشه الذي هو نائم عليه سواء كان في المسجد أم في خارجه.
فمن جلس في الطريق ومعه متاعه فإنه يكون محرزا به، سواء أكان مستيقظا أم نائما.
فمن سرق من إنسان نقوده أو متاعه قطع بمجرد الاخذ لزوال يد المالك عنه.
واشترط الفقهاء في النائم أن يكون المسروق تحت جنبه أو تحت رأسه واستدلوا بما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجاه والنسائي والحاكم عن صفوان ابن أمية قال: كنت نائما في المسجد على خميصة لي فسرقت، فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطعه، فقلت: يارسول الله أفي خميصة، ثمن ثلاثين درهما.
أنا أهبها له؟.
قال: " فهلا كان قبل أن تأتيني ".
" أي فهلا عفوت عنه ووهبت له قبل أن تأتيني ".
وفي هذا الحديث دليل على أن المطالبة بالمسروق شرط في القطع (1) ، فلو وهبه المسروق منه إياه، أو باعه قبل رفعه إلى الحاكم سقط عن السارق.
كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: " هلا كان قبل أن
تأتيني به!؟ ".

(1) سيأتي مزيد بيان لهذه المسألة.