التداوي بالخمر

مع المسلمين بعقد أمان إقامة موقوتة (1) مثل الاجانب، هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر في دار الاسلام، لان لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
ولان الخمر محرمة في دينهم، كما سبقت الاشارة إلى ذلك، ولآثارها السيئة وضررها البالغ في الحياة العامة والخاصة.
والاسلام يريد صيانة المجتمع الذي تظله راية الاسلام، ويحتفظ به نظيفا قويا متماسكا، لا يتطرق إليه الضعف من أي جانب، لامن ناحية المسلمين، ولا من ناحية غير المسلمين.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وهو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه.
ولكن الاحناف - رضي الله عنهم - رأوا أن الخمر، وإن كانت غير مال عند المسلمين لتحريم الاسلام لها، إلا أنها مال له قيمة عند أهل الكتاب، وأن من أهرقها من المسلمين يضمن قيمتها لصاحبها، وإن شربها مباح عندهم.
وإننا أمرنا بتركهم وما يدينون.
وعلى هذا فلا عقوبة على من يشربها من الكتابيين.
وعلى فرض تحريمها في كتبهم، فإننا نتركهم، لانهم لا يدينون بهذا التحريم، ومعاملتنا لهم تكون بمقتضى ما يعتقدون، لا بمقتضي الحق من حيث هو.
التداوي بالخمر: كان الناس في الجاهلية قبل الاسلام يتناولون الخمر للعلاج، فلما جاء الاسلام نهاهم عن التداوي بها وحرمه.
فقد روى الامام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، عن طارق ابن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: " إنما أصنعها للدواء "، فقال: " إنه ليس بدواء، ولكنه داء ".
وروى أبو داود، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أنزل الداء والدواء، فجعل لكم داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام ".

(1) يسمى هؤلاء بالمستأمنين بالتعبير الفقهي.

وكانوا يتعاطون الخمر في بعض الاحيان قبل الاسلام إتقاء لبرودة الجو، فنهاهم الاسلام عن ذلك أيضا.
فقد روى أبو داود أن ديلم الحميري سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا رسول الله، إنا بأرض باردة، نعالج فيها عملا شديدا، وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا؟ قال رسول الله: هل يسكر؟
قال: نعم.
قال: فاجتنبوه.
قال: إن الناس غير تاركيه.
قال: " فإن لم يتركوه فقاتلوهم ".
وبعض أهل العلم أجاز التداوي بالخمر بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام، وأن لا يقصد المتداوي به اللذة، والنشوة، ولا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب، كما أجازوا تناول الخمر في حال الاضطرار.
ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر.
أو من أشرف على الهلاك من البرد، ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة من خمر.
أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت، فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين بن الخمر.
فهذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات.