شروط إقامة الحد

والاصل براءة الشخص من العقوبة، والشارع متشوف إلى درء الحدود.
شروط إقامة الحد:
يشترط في إقامة حد الخمر الشروط الآتية: 1 - العقل: لانه مناط التكليف، فلا يحد المجنون بشرب الخمر، ويلحق به المعتوه.
2 - البلوغ: فإذا شرب الصبي، فإنه لايقام عليه الحد، لانه غير مكلف.
3 - الاختيار: فإن شربها مكرها فلاحد عليه، سواء أكان هذا الاكراه بالتهديد بالقتل، أو بالضرب المبرح، أو بإتلاف المال كله، لان الاكراه رفع عنه الاثم.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه ".
وإذا كان الاثم مرفوعا فلاحد عليه، لان الحد من أجل الاثم والمعصية.
ويدخل في دائرة الاكراه الاضطرار فمن لم يجد ماء وعطش عطشا شديدا يخشى عليه منه التلف، ووجد خمرا، فله أن يشربها.
وكذلك من أصابه الجوع الشديد الذي يخشى عليه منه الهلاك، لان الخمر حينئذ ضرورة يتوقف عليها الحياة، والضرورات تبيح المحظورات.
يقول الله تعالى: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد إثم عليه. إن الله غفور رحيم ".
وفي المغني: " أن عبد الله بن حذافة أسره الروم، فحبسه طاغيتهم في بيت فيه ماء ممزوج بخمر، ولحم خنزير مشوي، ليأكل الخنزير، ويشرب الخمر، وتركه ثلاثة أيام، فلم يفعل، ثم أخرجوه خشية موته، فقال: والله لقد كان الله أحله لي، فإني مضطر.
ولكن لم أكن لاشمتكم بدين الاسلام ".
4 - العلم بأن ما يتناوله مسكر.
فلو تناول خمرا مع جهله بأنها خمر،

فإنه يعذر بجهله، ولا يقام عليه الحد.
فلو لفت نظره أحد من الناس، فتمادى في شربه، فإنه لا يكون معذورا حينئذ، لارتفاع الجهالة عنه، وإصراره على ارتكاب المعصية بعد معرفته، فيستوجب العقاب ويقام عليه الحد.
وإذا تناول من الشراب ما هو مختلف في كونه خمرا بين الفقهاء، فإنه لايقام عليه الحد: لان الاختلاف شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
وكذلك لايقام الحد على من تناول النئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالربد، الذي أجمع الفقهاء على تحريمه إذا كان جاهلا بالتحريم، لكونه بدار الحرب أو قريب عهد بالاسلام، لان جهله يعتبر عذرا من الاعذار المسقطة للحد، بخلاف من كان مقيما بدار الاسلام، وليس قريب عهد بالدخول في الاسلام، فإنه يقام عليه الحد، ولا يعذر بجهله، لان هذا مما علم من الدين بالضرورة.
عدم اشتراط الحرية والاسلام في إقامة الحد: والحرية والاسلام ليسا شرطا في إقامة الحد، فالعبد إذا شرب الخمر فإنه
يعاقب، لانه مخاطب بالتكاليف التي أمر الله بها ونهى عنها.
إلا في بعض التكاليف التي يشق عليه القيام بها لانشغاله بأمره سيده، مثل صلاة الجمعة والجماعة.
والله سبحانه أمر باجتناب الخمر، وهذا الامر موجه إلى الحر والعبد، ولا يشق عليه اجتنابها، ويلحقه من ضررها ما يلحق الحر.
وليس ثمة من فرق بينهما إلا في العقوبة، فإن عقوبة العبد على النصف من عقوبة الحر، فيكون حده عشرين جلدة أو أربعين: " حسب الخلاف في تقدير العقوبة ".
وكما لا تشترط الحرية في إقامة الحد، فإنه لا يشترط الاسلام كذلك، فالكتابيون من اليهود والنصارى الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة ويعيشون معهم مواطنون (1) ، مثل الاقباط في مصر، وكذلك الكتابيون الذين يقيمون

(1) يسمى هؤلاء بالمذميين بالتعبير الفقهي.