انتهاء الحضانة

بأجرة، ولا يوجد من محارمه متبرع بحضانته، فإن الام تجبر على حضانته، وتكون الاجرة دينا على الاب لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء.
انتهاء الحضانة:
تنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير أو الصغيرة عن خدمة النساء وبلغ سن التمييز والاستقلال، وقدر الواحد منهما على أن يقوم وحده بحاجاته الاولية بأن يأكل وحده، ويلبس وحده، وينظف نفسه وحده.
وليس لذلك مدة معينة تنتهي بانتهائها.
بل العبرة بالتمييز والاستغناء.
فإذا ميز الصبي واستغنى عن خدمة النساء وقام بحاجاته الاولية وحده فإن حضانتها تنتهي.
والمفتى به في المذهب الحنفي وغيره: أن مدة الحضانة تنتهي إذا أتم الغلام سبع سنين، وتنتهي كذلك إذا أتمت البنت تسع سنين.
وإنما رأوا الزيادة بالنسبة للبنت الصغيرة لتتمكن من اعتياد عادات النساء من حاضنتها.
وقد جاء تحديد سن الحضانة في القانون رقم 25 لسنة 1929 مادة 20 ما نصه: (وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع.
وللصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تعين أن مصلحتها تقتضي ذلك) فتقدير مصلحة الصغير أو الصغيرة موكول للقاضي.
وأوضحت المذكرة التفسيرية لهذا القانون هذه المادة بما نصه: " جرى العمل إلى الان، على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ سن الصغير سبع سنين وبلوغ الصغيرة تسعا.
وهي سن دلت التجاوب على أنها قد لا يستغني فيها الصغير والصغيرة عن
الحضانة، فيكونان في خطر من ضمهما إلى غير النساء، خصوصا إذا كان والدهما متزوجا بغير أمهما.
ولذلك كثرت شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن في ذلك الوقت، ولما كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الصغير يسلم إلى أبيه عند الاستغناء عن خدمة النساء، والصغيرة تسلم إليه عند بلوغ حد الشهوة.

وقد اختلف الفقهاء في تقدير السن التي يكون عندها الاستغناء بالنسبة للصغير.
فقدرها بعضهم بسبع سنين، وبعضهم قدرها بتسع، وقدر بعضهم بلوغ حد الشهوة بتسع سنين، وبعضهم قدره بإحدى عشرة.
رأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى أن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع، والصغيرة بعد تسع.
فإن رأى مصحلتهما في بقائهما تحت حضانة النساء فقضى بذلك إلى تسع في الصغير وإحدى عشرة في الصغيرة.
وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما إلى غير النساء (المادة 20) (1) في السودان: وقد قرر الاستاذ الدكتور محمد يوسف موسى أن العمل في المحاكم الشرعية بالسودان كان جاريا على أن الولد تنتهي حضانته ببلوغه سبع سنين، والانثى ببلوغها تسع سنين، إلى أن صدر في السودان منشور شرعي رقم 34 في 12 12 1932 وجاء في المادة الاولى منه: " وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى البلوغ، وللصغيرة بعد تسع سنين إلى الدخول.
إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
وللاب وسائر الاولياء تعهد المحضون عند الحاضنة وتأديبه وتعليمه ".
ثم نص المنشور نفسه بعد ذلك في المادة الثانية منه على ما يأتي: " لا أجرة للحضانة بعد سبع سنين للصغير، وبعد تسع للصغيرة ".

(1) راجع مشروع قانون الاحوال الشخصية، ففي الفقرة الاولى من المادة 175 تقرر الحكم الذي جاء بالمادة 20 التي نحن بصددها، وفي الفقرة الثانية أن الحضانة تمتد من نفسها إذا كانت الحاضنة أما إلى 11 سنة للصغير و 13 للصغيرة ويجوز للقاضي مدها كذلك إذا كانت أم الام، كما أن له أن يأذن ببقاء الصغيرين مع الام أو أمها إلى سن الخامسة عشرة، ونحن نعتقد أن الخير في الوقوف عندما جاءت به المادة 20 من قانون 25 لسنة 29 وهو القانون المعمول به حتى اليوم. أحكام الاحوال الشخصية ص 416 للدكتور محمد يوسف موسى.

وفي المادة الثالثة: لو زوج الاب المحضونة، قاصدا بتزويجها إسقاط الحضانة، فلا تسقط بالدخول حتى تطيق.
وإذا رجعنا إلى النشرة العامة رقم 18 6 1942 الصادرة في الخرطوم في تاريخ 5 12 1942 نجدها شرحت هذه المواد السابقة وخلاصتها ما يأتي: 1 - أن المنشور الشرعي رقم 34 زاد سن حضانة الغلام إلى البلوغ، والبنت إلى الدخول، وهذا على غير ما عرف من مذهب أبي حنيفة، وهذه هي الحالة الخاصة التي خالف فيها المنشور مذهب أبي حنيفة.
عملا بمذهب مالك.
ويظهر أنها حالة استثنائية يلزم للسير فيها الاتي:
1 - لا يمد القاضي مدة الحضانة إلا إذا طلبت الحاضنة من المحكمة الاذن لها ببقاء المحضون بيدها، لان المصلحة تقتضي ذلك مع بيان المصلحة، أو تمانع في تسليم المحضون للعاصب لهذا السبب نفسه.
فإذا لم يوافق العاصب على بقاء المحضون بيده الحاضنة تكلف الحاضنة تقديم أدلتها، أو تتولى المحكمة تحقيق وجه المصلحة للغلام أو البنت، فإذا لم تقدم أدلة، أو قدمت ولم تكن كافية للاثبات ولم يتضح للمحكمة أن المصلحة تقتضي بقاء المحضون بيد الحاضنة، فإن المحكمة تحلف العاصب اليمين بطلب الحاضنة فإن حلف على أن مصلحة المحضون لا تقتضي بقاءه بيد الحاضنة حكمت بتسليمه إليه، وإن نكل رفضت دعواه.
2 - أما إذا لم تعارض الحاضنة في ضم المحضون للعاصب أو لم تحضر أصلا فإنه يجب على المحكمة تطبيق أحكام مذهب الامام أبي حنيفة، ويسلم المحضون الذي جاوز سن الحضانة للعاصب متى كان أهلا لذلك، ولا يطالب بإثبات أن مصلحة المحضون تقتضي بذلك.
3 - إذا كانت الحاضنة غائبة عند طلب تسليم الصغيرة فلها أن تعارض في الحكم وتطلب بقاءه في يدها، وتتخذ المحكمة نفس الاجراءات التي اتبعت مع الحاضنة الحاضرة.
4 - إذا أفتت المحكمة ببقاء المحضون بين النساء لمصلحة تقتضي ذلك، ثم تغير وجه المصلحة، وعرض عليها النزاع مرة أخرى أجاز لها، بعد أن

تتحق من أنه لم يبق للمحضون مصلحة تقتضي بقاءه بيد الحاضن إن تقرر نزعه وتسليمه للعاصب (1) .
تخيير الصغير والصغيرة بعد انتهاء الحضانة: وإذا بلغ الصغير سبع سنين، أو سن التمييز وانتهت حضانته، فإن اتفق الاب والحاضنة على إقامته عند واحد منهما أمضي هذا الاتفاق.
وإن اختلفا أو تنازعا، خير (2) الصغير بينهما، فمن اختاره منهما فهو أولى به، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله: ان زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة (3) ، وقد نفعني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا أبوك وهذه أمك.
فخذ بيد أيهما شئت ".
فأخذ بيد أمه.
فانطلقت به.
رواه أبو داود.
وقضى بذلك عمر وعلي وشريح، وهو مذهب الشافعي والحنابلة، فإن اختارهما، أو لم يختر واحدا منهما، قدم أحدهما بالقرعة.
وقال أبو حنيفة: الاب أحق به ... ولا يصح التخيير، لانه لا قول له ولا يعرف حظه.
وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته، فيؤدي إلى فساده ولانه دون البلوغ.
فلم يخير كمن دون السابعة.
وقال مالك: الام أحق به حتى يثغر.
وهذا بالنسبة للصغير، أما الصغيرة فأنها تخير مثل الصغير عند الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الام أحق بها حتى تزوج أو تبلغ.
وقال مالك: الام أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج.

(1) الدكتور محمد يوسف موسى أحكام الاحوال الشخصية في الفقه ص 516 وما بعدها.
(2) يشترط في تخيير الصغير: 1 - أن يكون المتنازعون فيه من أهل الحضانة.
ب - ألا يكون الغلام معتوها.
فان كان معتوها كانت الام أحق بكفالته ولو بعد البلوغ، لانه في هذه الحالة كالطفل والام أشفق عليه وأقوم بمصالحه كما في حال الطفولة.
(3) بئر بعيدة عن المدينة نحو ميل.

وعند الحنابلة: الاب أحق بها من غير تخيير إذا بلغت تسعا، والام أحق بها إلى تسع سنين.
والشرع ليس فيه نص عام في تقديم أحد الابوين مطقا، ولا تخيير الولد بين الابوين مطلقا..والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا.
بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البار العادل المحسن.
والمعتبر في ذلك القدرة على الحفظ والصيانة.
فإن كان الاب مهملا لذلك، أو عاجزا عنه، أو غير مرض والام بخلافه فهي أحق بالحضانة، كما أفاده ابن القيم.
قال: " فمن قدمناه بتخيير، أو قرعة، أو بنفسه، فإنما نقدمه إذا حصلت به مصلحة الولد ".
ولو كانت الام أصون من الاب وأغير منه قدمت عليه ولا التفات إلى قرعة ولا اختيار للصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك لم يلتفت إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له وأخير، ولا تحتمل الشريعة غير هذا.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: " مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ".
والله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة (1) ".
وقال الحسن: " علموهم.
وأدبوهم، وفقهوهم ".
فإذا كانت الام تتركه في المكتب وتعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك.
فإنها أحق به بلا تخيير ولا قرعة.
وكذلك العكس.
ومتى أخل أحد الابوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله، والآخر مراع
له، فهو أحق وأولى به.
قال: وسمعت شيخنا (2) رحمه الله يقول:

(1) سورة التحريم آية 6 (2) أي ابن تيمية.