شروط الحضانة

لام فالعمة لاب، ثم خالة الام، فخالة الاب، فعمة الام، فعمة الاب، بتقديم الشقيقة في كل منهن.
فإذا لم توجد للصغير قريبات من هذه المحارم، أو وجدت وليست أهلا للحضانة، انتقلت الحضانة إلى العصبات من المحارم، من الرجال على حسب الترتيب في الارث.
فينتقل حق الحضانة إلى الاب، ثم أبي أبيه، وإن علا، ثم إلى الاخ الشقيق، ثم إلى الاخ الاب، ثم ابن الاخ الشقيق، ثم ابن الاخ الاب، ثم الغم الشقيق، فالعم لاب، ثم عم أبيه الشقيق، ثم عم أبيه لاب.
فإذا لم يوجد من عصبته من الرجال المحارم أحد، أو وجد وليس أهلا للحضانة، انتقل حق الحضانة إلى محارمه من الرجال غير العصبة.
فيكون للجد لام، ثم للاخ لام، ثم لابن الاخ لام، ثم للعم لام، ثم للخال الشقيق، فالخال لاب، فالخال لام.
فإذا لم يكن للصغير قريب عين القاضي له حاضنة تقوم بتربيته.
وإنما كان ترتيب الحضانة على هذا النحو، لان حضانة الطفل أمر لابد منه، وأولى الناس به قرابته، وبعض القرابة أولى من بعض.
فيقدم الاولياء لكون ولاية النظر في مصالحه إليهم ابتداءا، فإذا لم يكونوا موجودين، أو كانوا ووجد ما يمنعهم من الحضانة، انتقلت إلى الاقرب فالاقرب.
فإن لم يكن ثمة قريب، فإن الحاكم مسئول عن تعيين من يصلح للحضانة.
شروط الحضانة:
يشترط في الحاضنة التي تتولى تربية الصغير وتقوم على شئونه، الكفاءة والقدرة على الاضطلاع بهذه المهمة، وإنما تتحقق القدرة والكفاءة بتوفر شروط معينة، فإذا لم يتوفر شرط منها سقطت الحضانة، وهذه الشروط هي:
1 - العقل: فلا حضانة لمعتوه، ولا مجنون، وكلاهما لايستطيع القيام بتدبير نفسه، فلا يفوض له أمر تدبير غيره، لان فاقد الشئ لايعطيه

2 - البلوغ: لان الصغير ولو كان مميزا في حاجة إلى من يتولى أمره ويحضنه، فلا يتولى هو أمر غيره.
3 - القدرة على التربية: فلا حضانة لكفيفة، أو ضعيفة البصر، ولا لمريضة مرضا معديا، أو مرضا يعجزها عن القيام بشئونه، ولا لمتقدمة في السن تقدما يحوجها إلى رعاية غيرها لها. ولا لمهملة لشئون بيتها كثيرة المغادرة له، بحيث يخشى من هذا الاهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به. أو لقاطنة مع مريض مرضا معديا، أو مع من يبغض الطفل، ولو كان قريبا له، حيث لا تتوفر له الرعاية الكافية، ولا الجو الصالح.
4 - الامانة والخلق: لان الفاسقة غير مأمونة على الصغير ولا يوثق بها في أداء واجب الحضانة، وربما نشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها، وقد ناقش ابن القيم هذا الشرط فقال: " مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضن قطعا وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي رحمهما الله وغيرهم. واشتراطها في غاية البعد.
ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم، ولعظمت المشقة على الامة، واشتد العنت ولم يزل من حين قام الاسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم، لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم هم الاكثرين، ومتى وقع في الاسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه، وهذا في الحرج والعسر واستمرار العمل المتصل في سائر الامصار والاعصار على خلافة بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح، فإنه دائم الوقوع في الامصار والاعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الاولياء الذين يلون ذلك فساق، ولم يزل الفسق في الناس.
" ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقا في تربية ابنه وحضانته له، ولامن تزويجه موليته.
والعادة شاهدة بأن الرجل لو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها.
ويحرص على الخير لها بجهده وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد.
والشارع يكتفي في ذلك على الباعث الطبيعي. ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للامة من

أهم الامور واعتناء الامة بنقله وتوارث العمل به مقدما على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به.
فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العمل بخلافه، ولو كان الفسق ينافي الحضانة، لكان من زنى، أو شرب الخمر، أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره. والله أعلم.
5 - الاسلام: فلا تثبت الحضانة للحاضنة الكافرة للصغير المسلم، لان الحضانة ولاية، ولم يجعل الله ولاية للكافر، على المؤمن " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (1) "، فهي كولاية الزواج والمال، ولانه يخشى على دينه من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها، وتربيته على هذا الدين، ويصعب عليه بعد ذلك أن يتحول عنه، وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل ففي الحديث: " كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " وذهب الاحناف وابن القاسم من المالكية وأبو ثور إلى أن الحضانة تثبت للحاضنة مع كفرها وإسلام الولد لان الحضانة لا تتجاوز رضاع الطفل وخدمته، وكلاهما يجوز من الكافرة.
وروى أبو داود والنسائي: أن رافع بن سنان أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ابنتي - وهي فطيم. أو شبهه، وقال رافع: ابنتي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أهدها " فمالت إلى أبيها فأخذها (2) ..والاحناف وإن رأوا جواز حضانة الكافرة، إلا أنهم اشترطوا: أن لا تكون مرتدة، لان المرتدة عندهم تستحق الحبس حتى تتوب وتعود إلى الاسلام أو تموت في الحبس، فلا تتاح لها الفرصة لحضانة الطفل، فإن تابت وعادت عاد لها حق الحضانة (3) .

(1) سورة النساء آية 141.
(2) ضعف العلماء هذا الحديث وقال ابن المنذر: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنها تختار أباها بدعوته فكان ذلك خاصا في حقه.
(3) وكذلك يعود حق الحضانة إذا سقط لسبب وزال هذا السبب الذي كان علة في سقوطه

6 - أن لا تكون متزوجة: فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة.
لما رواه عبد الله بن عمرو " أن امرأة قالت: يا رسول الله أن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: " أنت أحق به ما لم تنكحي " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
وهذا الحكم بالنسبة للمتزوجة بأجنبي فإن تزوجت بقريب محرم من الصغير، مثل عمه، فإن حضانتها لا تسقط، لان العم صاحب حق في الحضانة وله من صلته بالطفل وقرابته منه ما يحمله على الشفقة عليه ورعاية حقه فيتم بينهما التعاون على كفالته.
بخلاف الاجنبي.
فإنها إذا تزوجته فإنه لا يعطف عليه ولا يمكنها من العناية به.
فلا يجد الجو الرحيم ولاالتنفس الطبيعي ولا الظروف التي تنمي ملكاته ومواهبه.
ويرى الحسن وابن حزم أن الحضانة لا تسقط بالتزويج بحال.
7 - الحرية: إذ أن المملوك مشغول بحق سيده فلا يتفرغ لحضانة الطفل.
قال ابن القيم: وأما اشتراط الحرية فلا ينتهض عليه دليل يركن القلب إليه، وقد اشترط أصحاب الائمة الثلاث.
وقال مالك رحمه الله في حر له ولد من أمة: " إن الام أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الاب أحق به " وهذا هو الصحيح.
أجرة الحضانة: أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع، لا تستحقها الام مادامت زوجة، أو معتدة، لان لها نفقة الزوجية، أو نفقة العدة، إذا كانت زوجة أو معتدة.
قال الله تعالى: " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له (1) رزقهن وكسوتهن بالمعروف ".
أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق الاجرة كما تستحق أجرة الرضاع،

(1) سورة البقرة 223 - وفي هذا دلالة على أن الوالدة لا تستحق الاجرة مادامت زوجة أو معتدة.

لقول الله سبحانه: " فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن، وأتمروا بينكم بمعروف.
وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " (1) .
وغير الام تستحق أجرة الحضانة، من وقت حضانتها، مثل الظئر التي تستأجر لرضاع الصغير.
وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة على الاب تجب عليه أجرة المسكن أو إعداده إذا لم يكن للام مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير.
وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره، إذا احتاجت إلى خادم وكان الاب موسرا.
وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعالج ونحو ذلك من حاجاته الاولية التي لا يستغني عنها، وهذه الاجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها وتكون دينا في ذمة الاب لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء.
التبرع بالحضانة: إذا كان في أقرباء الطفل من هو أهل للحضانة وتبرع بحضانته وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة.
فإن كان الاب موسرا فإنه يجبر على دفع أجرة للام، ولا يعطى الصغير للمتبرعة، بل يبقى عند أمه، لان حضانة الام أصلح له، والاب قادر على إعطاء الاجرة.
ويختلف الحكم في حالة ما إذا كان الاب معسرا فإنه يعطى للمتبرعة لعسره وعجزه عن أداء الاجرة مع وجود المتبرعة ممن هو أهل للحضانة من أقرباء الطفل.
هذا إذا كانت النفقة واجبة على الاب.
أما إذا كان للصغير مال ينفق منه عليه فإن الطفل يعطى للمتبرعة صيانة لماله من جهة، ولوجوده من يحضنه من أقاربه من جهة أخرى.
وإذا كان الاب معسرا والصغير لا مال له، وأبت أمه أن تحضنه إلا

(1) سورة الطلاق آية 6.