الزنا والزواج

قال الشوكاني: هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا.
وفيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا.
وكذلك لا يحل للمرأة أن تتزوج بمن ظهر منه الزنا.
ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب الكريم، لان في آخرها: " وحرم ذلك على المؤمنين " فانه صريح في التحريم.
الزنا والزواج:
وثمة فرق كبير بين الزواج، والعملية التناسلية، فان الزواج هو نواة المجتمع، وأصل وجوده، وهو القانون الطبيعي الذي يسير العالم على نظامه، والسنة الكونية التي تجعل للحياة قيمة وتقديرا.
وأنه هو الحنان الحقيقي والحب الصحيح، وهو التعاون في الحياة والاشتراك في بناء الاسرة وعمار العالم.
غاية الاسلام من تحريم نكاح الزنا: والاسلام لم يرد للمسلم أن يلقى بين أنياب الزانية، ولا للمسلمة أن تقع في يد الزاني، وتحت تأثير روحه الدنيئة، وأن تشاركه تلك النفس السقيمة، وأن تعاشر ذلك الجسم الملوث بشتى الجراثيم، المملوء بمختلف العلل والامراض.
والاسلام - في كل أحكامه وأوامره وفي كل محرماته ونواهيه - لا يريد غير إسعاد البشر والسمو بالعالم الى المستوى الاعلى الذي يريد الله أن يبلغه الجنس البشري.
الزناة ينبوع لاخطر الامراض:
وكيف يسعد الزناة في دنياهم وهم ينبوع لاخطر الامراض وأشدها فتكا بهم، وأكثرها تغلغلا في جميع أعضائهم؟!! ولعل الزهري والسيلان من الامراض التناسلية التي تجعل - وحدها - الزناة شرا مستطيرا يجب اقتلاعه من العالم وخلعه من الارض.
وكيف تسعد انسانية فيها مثل هؤلاء الزناة.
ينقلون أمراضهم النفسية إلى

(1) من كتاب الاسلام والطب الحديث.

نسلهم، وينقلون مع هذه الامراض النفسية أمراض الزهري الوراثي؟ بل كيف تسعد عائلة تلد أطفالا مشوهي الخلق والخلق بسبب الالتهابات التي تصيب الاعضاء التناسلية، والعلل التي تطرأ عليها.
وجه الشبه بين الزناة والمشركين: والمسلم المتأدب بأدب القرآن الكريم، المتبع لسنة أفضل الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يمكن أن يعيش مع زانية لا تفكر تفكيره، ولا يستطيع أن يعاشر امرأة لاتحيى حياته المستقيمة، ولا يستطيع الارتباط برابطة الزواج مع كائنة لا تشعر شعوره، وهو يعلم أن الله تعالى قال عن الزواج: " خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة ".
فأين المودة التي تحصل بين المسلم والزانية؟ وأين نفس الزانية من تلك النفس التي تسكن إليها نفس المؤمن الصحيح الايمان؟.
وأن المسلم الذي لايستطيع نكاح الزانية - كما بينا لفساد نفسها وشذوذ عاطفتها - لا يمكن كذلك أن يعيش مع مشركة لا تعتقد اعتقاده، ولا تؤمن إيمانه، ولا ترى في الحياة ما يراه. لا تحرم ما يحرمه عليه دينه من الفسق والفجور. ولا تعترف بالمبادئ الانسانية السامية التي ينص عليها الاسلام. لها عقيدتها الضالة واعتقاداتها الباطلة. لها التفكير البعيد عن تفكيره، والعقل الذي لايمت الى عقله بصلة.
ولذلك قال الله تعالى: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك، ولو أعجبكم.
أولئك يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ".

التوبة تجب ما قبلها:
فان تاب كل من الزاني والزانية توبة نصوحا بالاستغفار والندم والاقلاع عن الذنب، واستأنف كل منهما حياة نظيفة مبرأة من الاثم ومطهرة من الدنس، فان الله يقبل توبتهما ويدخلهما برحمته في عباده الصالحين: " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما ".
سأل رجل ابن عباس فقال: إني كنت ألم بامرأة، آتي منها ما حرم الله علي، فرزق الله عز وجل من ذلك توبة، فأردت أن أتزوجها.
فقال أناس: " إن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ".
فقال ابن عباس: ليس هذا في هذا، انكحها، فما كان من إثم فعلي. رواه بن أبي حاتم.
وسئل ابن عمر عن رجل فجر بامرأة، أيتزوجها؟ قال: إن تابا وأصلحا.
وأجاب بمثل هذا جابر بن عبد الله، وروى ابن جرير أن رجلا من أهل اليمن أصابت أخته فاحشة فأمرت الشفرة على أوداجها، فأدركت، فداووها حتى برأت. ثم ان عمها انتقل بأهله حتى قدم المدينة، فقرأت القرآن ونسكت، حتى كانت من أنسك نسائهم.
فخطبت إلى عمها، وكان يكره أن يدلسها، ويكره أن يغش على ابنة أخيه. فأتى عمرا فذكر ذلك له. فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك، إذا أتاك رجل صالح ترضاه فزوجها إياه.
وفي رواية أن عمر قال: أتخبر بشأنها؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه، والله لئن أخبرت بشأنها أحدا من الناس لاجعلنك نكالا لاهل الامصار، بل أنكحها بنكاح العفيفة المسلمة.

وقال عمر: لقد هممت ألا أدع أحدا أصاب فاحشة في الاسلام أن يتزوج محصنة.
فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين، الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب.
ويرى أحمد أن توبة المرأة تعرف بأن تراود عن لفسها، فان أجابت، فتوبتها غير صحيحة، وان امتنعت فتوبتها صحيحة.
وقد تابع في ذلك ما روي عن ابن عمر.
ولكن أصحابه قالوا (1) : لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنا ويطلبه منها.
لان طلبه ذلك منها يكون في خلوة، ولا تحل الخلوة بأجنبية، ولو كان في تعليمها القرآن، فكيف يحل في مراودتها على الزنا؟.
ثم لا يأمن إن أجابته الى ذلك أن تعود الى المعصية، فلا يحل التعرض لمثل هذا.
لان التوبة من سائر الذنوب، وفي حق سائر الناس، وبالنسبة إلى سائر الاحكام على غير هذا الوجه، فكذلك يكون هذا.
وإلى هذا (2) ذهب الامام أحمد، وابن حزم، ورجحه ابن تيمية وابن القيم.
إلا أن الامام أحمد ضم الى التوبة شرطا آخر، وهو انقضاء العدة.
فمتى تزوجها قبل التوبة أو انقضاء عدتها، كان الزواج فاسدا ويفرق بينهما.
وهل عدتها ثلاث حيض، أو حيضة؟.
روايتان عنه.
ومذهب الحنفية، والشافعية، والمالكية، أنه يجوز للزاني أن يتزوج الزانية، والزانية يجوز لها أن تتزوج الزاني، فالزنا لايمنع عندهم صحة العقد.
قال ابن رشد: وسبب اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: " والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ".
هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟ وهل الاشارة في قوله تعالى: " وحرم ذلك على المؤمنين " الى الزنا أو النكاح؟.

(1) المغني لابن قدامة.
(2) اي الى أنه لا يحل زواج الزانية أو الزاني قبل التوبة.

وإنما صار الجمهور لحمل الآية على الذم لاعلى التحريم، لما جاء في الحديث أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم في زوجته: انها لا ترد يد لامس. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " طلقها " فقال له: إني أحبها. فقال له: " أمسكها " (1) .
ثم ان المجوزين اختلفوا في زواجها في عدتها.
فمنعه " مالك " احتراما لماء الزوج وصيانة لاختلاط النسب الصريح بولد الزنا.
وذهب أبو حنيفة، والشافعي، إلى أنه يجوز العقد عليها من غير انقضاء عدة.
ثم ان الشافعي يجوز العقد عليها وان كانت حاملا لانه لاحرمة لهذا الحمل.
وقال أبو يوسف، ورواية عن أبي حنيفة: لا يجوز العقد عليها حتى تضع الحمل لئلا يكون الزوج قد سقى ماؤه زرع غيره.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن توطأ المسبية الحامل حتى تضع) ، مع أن حملها مملوك له.
فالحامل من الزنا أولى ألا توطأ حتى تضع. لان ماء الزاني وان لم يكن له حرمة، فماء الزوج محترم، فكيف يسوغ له أن يخلطه بماء الفجور؟.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم هم بلعن الذي يريد أن يطأ أمته الحامل من غيره وكانت مسبية، مع انقطاع الولد عن أبيه وكونه مملوكا له.
وقال أبو حنيفة في الرواية الاخرى يصح العقد عليها، ولكن لا توطأ حتى تضع (2) .
اختلاف حالة الابتداء عن حالة البقاء: ثم ان العلماء قالوا ان المرأة المتزوجة إذا زنت لا ينفسخ النكاح، وكذلك

(1) قال أحمد: هذا الحديث منكر، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
وأورد أبو عبيد على هذا الحديث انه خلاف الكتاب والسنة المشهورة، لان الله انما أذن في نكاح المحصنات خاصة، ثم انزل في القاذف آية اللعان، وسن رسول الله التفريق بينهما فلا يجتمعان أبدا. فكيف يأمر بالاقامة على عاهر لا تمتنع ممن أرادها، والحديث مرسل. وقال ابن القيم عورض بهذا الحديث المتشابه الاحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزوج البغايا.
(2) تهذيب السنة: جزء 3.

الرجل، لان حالة الابتداء تفارق حالة البقاء.
وروي عن الحسن، وجابر بن عبد الله: أن المرأة المتزوجة إذا زنت يفرق بينهما.
واستحب أحمد مفارقتها وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه، فتلك لا تؤمن أن تفسد فراشه، وتلحق به ولدا ليس منه.
(8) زواج الملاعنة: لا يحل للرجل أن يتزوج المرأة التي لاعنها، فانها محرمة عليه حرمة دائمة بعد اللعان.
يقول الله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين.
والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين.
ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين.
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " (1) .
(9) زواج المشركة: اتفق العلماء على أنه لا يحل للمسلم أن يتزوج الوثنية، ولاالزنديقة، ولاا لمرتدة عن الاسلام، ولا عابدة البقر، ولا المعتقدة لمذهب الاباحة - كالوجودية ونحوها من مذاهب الملاحدة - ودليل ذلك قول الله تعالى: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم.
ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون الى النار، والله يدعو الى الجنة والمغفرة بإذنه " (2) .

(1) سورة النور آية 6، 7، 8، 9.
(2) سورة البقرة آية 221.