النظر إلى المخطوبة

وإذا خطبها الثاني بعد إجابة الاول وعقد عليها أثم والعقد صحيح لان النهي عن الخطبة، وليست شرطا في صحة الزواج، فلا يفسخ بوقوعها غير صحيحة.
وقال داود: إذا تزوجها الخاطب الثاني فسخ العقد قبل الدخول وبعده.
النظر إلى المخطوبة:
مما يرطب الحياة الزوجية ويجعلها محفوفة بالسعادة محوطة بالهناء، أن ينظر الرجل إلى المرأة قبل الخطبة ليعرف جمالها الذي يدعوه إلى الاقدام على الاقتران بها، أؤ قبحها الذي يصرف عنها إلى غيرها.
والحازم لا يدخل مدخلا حتى يعرف خيره من شره قبل الخول فيه،
قال الاعمش: كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم.
وهذا النظر ندب إليه الشرع، ورغب فيه:
1 - فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خطب أحدكم المرأة، فان استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل) .
قال جابر: فخطبت امرأة من بني سلمة، فكنت أختبئ لها (1) حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها. رواه أبو داود.
2 - وعن المغيرة بن شعبة: أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظرت إليها؟) قال: لا، قال: (أنظر إليها، فانه أحرى أن يؤدم بينكما) ، أي أجدر أن يدوم الوفاق بينكما. رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه.
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا خطب امرأة من الانصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظرت إليها) ؟ قال: لا، قال: (فاذهب فانظر إليها، فان في أعين الانصار شيئا) (2) .

(1) فيه دليل على أنه ينظر إليها على غفلتها وان لم تأذن له.
(2) قيل صغر أو عمش.

المواضع التي ينظر إليها:
ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الرجل ينظر إلى الوجه والكفين لا غير، لانه يستدل بالنظر إلى الوجه على الجمال أو الدمامة، وإلى الكفين على خصوبة البدن أو عدمها.
وقال داود: ينظر إلى جميع البدن.
وقال الاوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم.
والاحاديث لم تعين مواضع النظر، بل أطلقت لينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه (1) .
والدليل على ذلك ما رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور: أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقال: أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل إليها، فكشف عن ساقها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك.
وإذا نظر إليها ولم تعجبه فليسكت ولا يقل شيئا، حتى لا تتأذى بما يذكر عنها، ولعل الذي لا يعجبه منها قد يعجب غيره.
نظر المرأة إلى الرجل:
وليس هذا الحكم مقصورا على الرجل، بل هو ثابت للمرأة أيضا.
فلها أن تنظر إلى خاطبها فانه يعجبها منه مثل ما يعجبه منها.
قال عمر: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فانه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن.
التعرف على الصفات: هذا بالنسبة للنظر الذي عرف به الجمال من القبح، وأما بقية الصفات الخلقية فتعرف بالوصف والاستيصاف، والتحري ممن خالطوهما بالمعاشرة أو الجوار، أو بواسطة بعض أفراد ممن هم موضع ثقته من الاقرباء كالام، والاخت.

(1) فتح الام ج 2 ص 89.

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم إلى امرأة فقال: (انظري إلى
عرقوبها وشمي معاطفها) (1) وفي رواية (شمي عوارضها) (2) رواه أحمد والحاكم والطبراني والبيهقي.
قال الغزالي في الاحياء: ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق، خبير بالظاهر والباطن.
ولا يميل إليها فيفرط في الثناء، ولا يحسدها فيقصر، فالطباع مائلة في مبادئ الزواج، ووصف المزوجات إلى الافراط أو التفريط.
وقل من يصدق فيه ويقتصد، بل الخداع والاغراء أغلب.
والاحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير زوجته.

حظر الخلوة بالمخطوبة:
يحرم الخلو بالمخطوبة، لانها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها.
ولم يرد الشرع بغير النظر، فبقيت على التحريم، ولانه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة ما نهى الله عنه.
فإذا وجد محرم جازت الخلوة، لامتناع وقوع المعصية مع حضوره.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فان ثالثهما الشيطان) .
وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له، فان ثالثهما الشيطان إلا محرم) . رواهما أحمد.
خطر التهاون في الخلوة وضرره:
درج كثير من الناس على التهاون في هذا الشأن، فأباح لابنته أو قريبته.

(1) معاطفها ناحيتا العنق.
(2) العوارض: الاسنان في عرض الفم، وهي ما بين الاسنان والاضراس وواحدها عارض. والمراد اختبار رائحة الفم.