العدول عن الخطبة وأثره، عقد الزواج

أن تخالط خطيبها وتخلو معه دون رقابة، وتذهب معه حيث يريد من غير إشراف.
وقد نتج عن ذلك أن تعرضت المرأة لضياع شرفها وفساد فعافها وإهدار كرامتها.
وقد لا يتم الزواج فتكون قد أضافت إلى ذلك فوات الزواج منها.
وعلى النقيض من ذلك طائفة جامدة لا تسمح للخاطب أن يرى بناتها عند الخطبة، وتأبى إلا أن يرضى بها، ويعقد عليها دون أن يراها أو تراه إلا ليلة الزفاف.
وقد تكون الرؤية مفاجئة لهما غير متوقعة، فيحدث ما لم يكن مقدرا من الشقاق والفراق.
وبعض الناس يكتفي بعرض الصورة الشمسية، وهي في الواقع لا تدل على شئ يمكن أن يطمئن، ولا تصور الحقيقة تصويرا دقيقا.
وخير الامور هو ما جاء به الاسلام، فإن فيه الرعاية لحق كلا الزوجين في رؤية كل منهما الاخر، مع تجنب الخلوة، حماية للشرف، وصيانة للعرض.
العدول عن الخطبة وأثره:
الخطبة مقدمة تسبق عقد الزواج، وكثيرا ما يعقبها تقديم المهر كله أو بعضه، وتقديم هدايا وهبات (1) ، تقوية للصلات، وتأكيدا للعلاقة الجديدة.
وقد يحدث أن يعدل الخاطب، أو المخطوبة، أو هما معا عن إتمام العقد، فهل يجوز ذلك؟ وهل يرد ما أعطي للمخطوبة؟ إن الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست عقدا ملزما، والعدول عن إنجازه حق من الحقوق التي يملكها كل من المتواعدين.
ولم يجعل الشارع لا خلاف الوعد عقوبة مادية يجازي بمقتضاها المخلف،

(1) الشبكة.

وإن عد ذلك خلقا ذميما، ووصفه بأنه من صفات المنافقين، إلا إذا كانت هناك ضرورة ملزمة تقتضي عدم الوفاء.
ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) .
ولما حضرت الوفاة (عبد الله بن عمر) قال: انظروا فلانا (لرجل من قريش) ، فإني قلت له في ابنتي قولا كشبه العدة، وما أحب أن ألقى الله بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته (1) .
وما قدمه الخاطب من المهر فله الحق في استرداده، لا لانه دفع في مقابل الزواج، وعوضا عنه.
وما دام الزواج لم يوجد، فإن المهر لا يستحق شئ منه، ويجب رده إلى صاحبه، إذ أنه حق خالص له.
وأما الهدايا فحكمها حكم الهبة، والصحيح أن الهبة لا يجوز الرجوع فيها إذا كانت تبرعا محضا لا لاجل العوض.
لان الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكه، وجاز له التصرف فيها، فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه.
وهذا باطل شرعا وعقلا (2) .
فإذا وهب ليتعوض من هبته ويثاب عليها فلم يفعل الموهوب له، جاز له الرجوع في هبته، وللواهب هنا حق الرجوع فيما وهب، لان هبته على جهة المعاوضة، فلما لم يتم الزواج كان له حق الرجوع فيما وهب، والاصل في ذلك: 1 - ما رواه أصحاب السنن، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) .
2 - ورووا عنه أيضا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) .

(1) تذكرة الحفاظ.
(2) اعلام الموقعين جزء 2 ص 50.

3 - وعن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها) أي يعوض عنها.
وطريقة الجمع بين هذه الاحاديث هي ما ذكره (اعلام الموقعين) قال: ويكون الواهب الذي لا يحل له الرجوع هو من وهب تبرعا محضا لا لاجل العوض، والواهب الذي له الرجوع هو من وهب ليتعوض من هبته، ويثاب منها، فلم يفعل الموهوب له، وتستعمل سنن رسول الله كلها، ولا يضرب بعضها ببعض.
رأي الفقهاء: إلا أن العمل الذي جرى عليه القضاء بالمحاكم: تطبيق المذهب الحنفي الذي يرى أن ما أهداه الخاطب لمخطوبته له الحق في استرداده إن كان قائما على حالته لم يتغير.
فالاسورة، أو الخاتم، أو العقد، أو الساعة، ونحو ذلك يرد إلى الخاطب إذا كانت موجودة.
فإن لم يكن قائما على حالته، بأن فقد أو بيع أو تغير بالزيادة، أو كان طعاما فأكل، أو قماشا فخيط ثوبا، فليس للخاطب الحق في استرداد ما أهداه أو استرداد بدل منه.
وقد حكمت محكمة طنطا الابتدائية الشرعية حكما نهائيا بتاريخ 13 يوليو سنة 1933.
وقررت فيه القواعد الاتية:
1 - ما يقدم من الخاطب لمخطوبته، مما لا يكون محلا لورود العقد عليه، يعتبر هدية.
2 - الهدية ك الهبة، حكما ومعنى.
3 - الهبة عقد تمليك يتم بالقبض.
وللموهوب له أن يتصرف في العين الموهوبة بالبيع ولاشراء وغيره، ويكون تصرفه نافذا.
4 - هلاك العين أو استهلاكها مانع من الرجوع في الهبة.
5 - ليس للواهب إلا طلب رد العين إن كانت قائمة.
وللمالكية في ذلك تفصيل بين أن يكون العدول من جهته أو جهتها: