التلبية

وأما السبعة الايام.
فقيل: يصومها إذا رجع إلى وطنه.
وقيل إذا رجع إلى رحله.
وعلى الرأي الاخير يصح صومها في الطريق.
هو مذهب مجاهد، وعطاء.
ولا يجب التتابع في صيام هذه الايام العشرة.
وإذا نوى وأحرم شرع له أن يلبي.

التلبية:
(1) حكمها: أجمع العلماء على: أن التلبية مشروعة.
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا آل محمد، من حج منكم فليهل (2) في حجه " أو (3) " حجته " رواه أحمد، وابن حبان.
وقد اختلفوا في حكمها، وفي وقتها، وفي حكم من أخرها.
فذهب الشافعي، وأحمد: إلى أنها سنة، وأنه يستحب اتصالها بالاحرام.
فلو نوى النسك ولم يلب، صح نسكه، دون أن يلزمه شئ لان الاحرام عندهما ينعقد بمجرد النية.
ويرى الاحناف: أن التلبية، أو ما يقوم مقامها - مما هو في معناها كالتسبيح، وسوق الهدي - شرط من شروط الاحرام، فلو أحرم، ولم يلب أو لم يسبح، أو لم يسق الهدي فلا إحرام له.
وهذا مبني: على أن الاحرام عندهم مركب من النية وعمل من أعمال الحج.
فإذا نوى الاحرام وعمل عملا من أعمال النسك، فسبح، أو هلل، أو ساق الهدي ولم يلب، فإن إحرامه ينعقد، ويلزمه بترك التلبية دم.

(1) التلبية: من " لبيك " بمنزلة التهليل من " لا إله إلا الله " (2) " فليهل " أي ليرفع صوته بالتلبية.
(3) أو (للشك)

ومشهور مذهب مالك: انها واجبة، يلزم يتركها أو ترك اتصالها بالاحرام مع الطول دم.
لفظها: روى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك (1) اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك، لا شريك لك ".
قال نافع: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها " لبيك، لبيك، لبيك وسعديك (2) والخير بيديك، لبيك والرغباء (3) إليك، والعمل "، وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا في الزيادة عليها.
فذهب الجمهور: إلى أنه لا بأس بالزيادة عليها، كما زاد ابن عمروكما زاد الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا يقول لهم شيئا، رواه أبو داود، والبيهقي.
وكره مالك، وأبو يوسف: الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فضلها:
1 - روى ابن ماجه عن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مامن محرم يضحي يومه (4) يلبي حتى تغيب الشمس، إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه ".
2 - وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " منا

(1) قال الزمخشري: معنى لبيك: أي دواما على طاعتك، وإقامة عليها مرة بعد أخرى، من " لب " بالمكان، و " ألب ".
إذا أقام به.
(2) وسعديك: أي إسعاد بعد إسعاد، من المساعدة والموافقة على الشئ.
(3) " الرغباء " أي الطلب والمسألة.
والمعنى الرغبة إلى من بيده الخير.
وهو المقصود بالعمل.
(4) " يضحي " أي يظل يومه

أهل مهل قط، إلا بشر، ولاكبر مكبر قط إلا بشر ".
قيل: يا نبي الله: بالجنة؟ قال: " نعم ".
رواه الطبراني، وسعد بن منصور.
3 - وعن سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يلبي إلا لبي من عن يمينه وشماله، من حجر، أو شجر، أو مدر (1) حتى تنقطع الارض من هاهنا وهاهنا ".
رواه ابن ماجه، والبيهقي، والترمذي والحاكم، وصححه.
استحباب الجهر بها:
1 - عن زيد بن خالد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جاءني جبريل عليه السلام فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعائر الحج ".
رواه ابن ماجه، وأحمد، وابن خزيمة، والحاكم، وقال: صحيح الاسناد.
2 - وعن أبي بكر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ فقال: " العح (2) والثج (3) ".
رواه الترمذي، وابن ماجه.
3 - وعن أبي حازم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحرموا، لم يبلغوا الروحاء حتى تبح (4) أصواتهم.
وقد استحب الجمهور رفع الصوت بالتلبية، لهذه الاحاديث: وقال مالك: لا يرفع (الملبي) الصوت في مسجد الجماعات بل يسمع نفسه ومن يليه، إلا في مسجد منى والمسجد الحرام، فإنه يرفع صوته فيهما.
وهذا بالنسبة للرجال: أما المرأة فتسمع نفسها ومن يليها، ويكره لها أن ترفع صوتها أكثر من ذلك.

(1) " المدر " أي الحصى.
(2) " العج " رفع الصوت بالتلبية.
(3) " الثج " نحر الهدي.
(4) " تبح " أي تغلظ وتخش

وقال عطاء: يرفع الرجال أصواتهم.
وأما المرأة فتسمع نفسها، ولا ترفع صوتها.
المواطن التي تستحب التلبية فيها: تستحب التلبية في مواطن: عند الركوب، أو النزول، وكلما علا شرفا (1)
أو هبط واديا (2) ، أو لفي ركبا، وفي دبر كل صلاة، وبالاسحار.
قال الشافعي: ونحن نستحبها على كل حال.
وقتها: يبدأ المحرم بالتلبية من وقت الاحرام، إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر، باول حصاة ثم يقطعها.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة. رواه الجماعة.
وهذا مذهب الثوري، والاحناف، والشافعي وجمهور العلماء.
وقال أحمد، وإسحاق: يلبي حتى يرمي الجمرات جميعها، ثم يقطعها.
وقال مالك: يلبي حتى تزول الشمس من يوم عرفة ثم يقطعها. هـ
ذا بالنسبة للحج.
وأما المعتمر فيلبي حتى يستلم الحجر الاسود.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر.
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم (3) .
استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بعدها: عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: يستحب للرجل - إذا فرغ من تلبينه - أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من تلبيته سأل الله مغفرته ورضوانه، واستعقه من الناس.
رواه الطبراني وغيره.

(1) " الشرف " المكان المرتفع.
(2) " الوادي " المكان المنخفض.
(3) قال إذا أحرم من الميقات قطع التلبية بدخول الحرم. وإن أحرم من الجعرانة أو التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة