ما يباح للمحرم

ما يباح للمحرم:
(1) الاغتسال وتغيير الرداء والازار: فعن إبراهيم النخعي قال: كان أصحابنا إذا أتوا بئرا ميمون اغتسلوا، ولبسوا أحسن ثيابهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم.
قيل له: أتدخل الحمام وأنت محرم؟ فقال: إن الله ما يعبأ (1) بأوساخنا شيئا.
وعن جابر رضي الله عنه قال: يغتسل المحرم، ويغسل ثوبه.
وعن عبد الله بن حنين: أن ابن عباس، والمسور بن مخرمة اختلفا بالابواء (2) فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه.
وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، قال: فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الانصاري، فوجدته يغتسل بين القرنين (3) ، وهو يستر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين.
أرسلني اليك ابن عباس يسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل، وهو محرم؟ قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه (4) حتى بدا لي رأسه ثم قال: الانسان يصب عليه الماء: أصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيده، فأقبل بهما، وأدبر فقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل.
رواه الجماعة، إلا الترمذي.
وزاد البخاري في رواية: فرجعت اليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك (5) أبدا.
قال الشوكاني: والحديث يدل على جواز الاغتسال للمحرم، وتغطية
الرأس باليد حاله - أي حال الاغتسال.
قال ابن المنذر: أجمعوا: على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة، واختلفوا فيما عدا ذلك.

(1) " ما يعبأ ": أي لا يصنع.
(2) " الابواء ": اسم مكان.
(3) " القرنين " قرني البئر.
(4) " طأطأ ": أي أزاله عن رأسه.
(5) " أماريك " أي أجادلك

وروى مالك في الموطأ عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يغسل رأسه وهو محرم، إلا من الاحتلام.
وروي عن مالك: أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء.
ويجوز استعمال الصابون وغيره من كل ما يزيل الاوساخ، كالاشنان والسدر (1) والخطمي.
وعند الشافعية والحنابلة، يجوز أن يغتسل بصابون له رائحة، وكذلك يجوز نقض الشعر وامتشاطه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة فقال: " انقضي رأسك وامتشطي ".
رواه مسلم.
قال النووي: نقض الشعر والامتشاط جائزان عندنا في الاحرام بحيث لا ينتف شعرا، ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، ولا بأس بحمل متاعه على رأسه.
(2) لبس التبان: وروى البخاري، وسعيد بن منصور عن عائشة: أنها كانت لا ترى بالتبان بأسا للمحرم (2) (3) تغطية وجهه:
روى الشافعي، وسعيد بن منصور، عن القاسم، قال: كان عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم يخمرون (3) وجوههم وهم محرمون.
وعن طاوس: يغطي المحرم وجهه من غبار، أو رماد.
وعن مجاهد قال: كانوا إذا هاجت الريح غطوا وجوههم، وهم محرمون.

(1) " السدر ": ورق النبق.
(2) " التبان " سروال قصير، قال الحافظ: هذا رأي رأته عائشة، والاكثرون على أنه لا فرق بين التبان والسراويل، في منعه للمحرم.
(3) " يخمرون " أي يسترون

(4) لبس الخفين للمرأة: لما رواه أبو داود، والشافعي عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين.
(5) تغطية رأسه ناسيا: قالت الشافعية: لا شئ على من غطى رأسه ناسيا، أو لبس قميصه ناسيا.
وقال عطاء: لاشئ عليه، ويستغفر الله تعالى.
وقالت الاحناف: عليه الفدية.
وكذلك الخلاف فيما إذا تطيب ناسيا، أو جاهلا.
وقاعدة الشافعية: أن الجهل والنسيان، عذر يمنع وجوب الفدية في كل محظور، ما لم يكن إتلافا كالصيد، وكذلك الحق والقلم (1) ، على الاصح عندهم.
وسيأتي ذلك في موضعه.
(6) الحجامة، وفقء الدمل، ونزع الضرس، وقطع العرق: قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم وسط رأسه (2) وقال مالك: لا بأس للمحرم أن يفقأ الدمل، ويربط الجرح، ويقطع العرق إذا احتاج.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المحرم ينزع ضرسه، ويفقأ القرحة.
قال النووي: إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة، فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام، لقطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور، وكرهها مالك.
وعن الحسن: فيها الفدية، وإن لم يقطع شعرا.
وإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية.
وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس.

(1) " القلم ": أي قص الاظافر.
(2) قال ابن تيمية: لا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر

(7) حك الرأس والجسد: فعن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن المحرم يحك جسده؟ قالت: نعم، فليحككه وليشدد.
رواه البخاري، ومسلم، ومالك.
وزاد: ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت.
وروي مثل ذلك عن ابن عباس، وجابر وسعيد بن جبير، وعطاء، وإبراهيم النخعي.
(8، 9) النظر في المرآة وشم الريحان: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المحرم يشم الريحان
وينظر في المرآة، ويتداوى بأكل الزيت والسمن.
وعن عمربن عبد العزيز: أنه كان ينظر فيها وهو محرم، ويتسوك وهو محرم.
وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن، وعلى أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه.
وكره الاحناف والمالكية المكث في مكان فيه روائح عطرية، سواء أقصد شمها أم لم يقصد.
وعند الحنابلة والشافعية: إن قصد حرم عليه، وإلا فلا.
وقال الشافعية: ويجوز أن يجلس عند العطار في موضع يبخر، لان في المنع من ذلك مشقة، ولان ذلك ليس بطيب مقصود.
والمستحب أن يتوقى ذلك إلا أن يكون في موضع قربة، كالجلوس عند الكعبة وهي تجمر، فلا يكره ذلك، لان الجلوس عندها قربة، فلا يستحب تركها لامر مباح.
وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة ولا فدية عليه.
(10، 11) شد الهميان في وسط المحرم ليحفظ فيه نقوده ونقود غيره ولبس الخاتم.
قال ابن عباس: لا بأس بالهميان، والخاتم، للمحرم.

(12) الاكتحال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد، ما لم يكتحل بطيب، ومن غير رمد.
وأجمع العلماء على جوازه للتداوي لاللزينة.
(13) تظلل المحرم بمظلة أو خيمة أو سقف ونحو ذلك:
قال عبد الله بن عامر: خرجت مع عمر رضي الله عنه فكان يطرح النطع على الشجرة، فيستظل به وهو محرم، أخرجه ابن أبي شيبة.
وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد، وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والاخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة.
أخرجه أحمد، ومسلم.
وقال عطاء: يستظل المحرم من الشمس، ويستكن من الريح والمطر.
وعن ابراهيم النخعي: أن الاسود بن يزيد، طرح على رأسه كساء يستكن، به من المطر، وهو محرم.
(14) الخضاب بالحناء: ذهبت الحنابلة إلى أنه لا يحرم على المحرم، ذكرا كان أو انثى، الاختضاب بالحناء، في أي جزء من البدن ما عدا الرأس.
وقالت الشافعية: يجوز للرجل الخضاب بالحناء حال الاحرام في جميع أجزاء جسده، ما عدا اليدين والرجلين، فيحرم خضبهما بغير حاجة، وكذا لا يغطي رأسه بحناء ثخينة.
وكرهوا للمرأة الخضاب بالحناء حال الاحرام إلا إذا كانت معتدة من وفاة، فيحرم عليها ذلك، كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشا، ولو كانت معتدة.

وقالت الاحناف والمالكية: لا يجوز للمحرم أن يختضب بالحناء في أي جزء من البدن سواء أكان رجلا أم امرأة، لانه طيب، والمحرم ممنوع من التطيب.
وعن خولة بنت حكيم عن أمها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لام سلمة " لا تطيبي وأنت محرمة، ولا تمسي الحناء فإنه طيب ".
رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في المعرفة، وابن عبد البر في التمهيد.
(15) ضرب الخادم للتأديب: فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا، حتى إذا كنا بالعرج (1) ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلنا، فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جنب أبي بكر، وكانت زمالة (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبي بكر واحدة، مع غلام لابي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع الغلام، فطلع، وليس مع بعيره، فقال: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة.
فقال ابو بكر: بعير واحد تضلله؟ فطفق يضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، ويقول: " انظروا لهذا المحرم ما يصنع "؟ فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول: " انظروا لهذا المحرم ما يصنع ".
ويبتسم.
رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
(16) قتل الذباب والقراد والنمل: فعن عطاء: أن رجلا سأله عن القرادة والنملة تدب عليه وهو محرم، فقال: ألق عنك ما ليس منك.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا بأس أن يقتل المحرم القرادة والحلمة (3) .
ويجوز نزع القراد من البعير للمحرم.

(1) " العرج ": اسم موضع بين مكة والمدينة.
(2) " الزمالة ": أداة المسافر وما يكون معه من السفر.
(3) " الحلمة " أكبر القراد

فعن عكرمة: أن ابن عباس أمره أن يقرد (1) بعيرا وهو محرم، فكره ذلك عكرمة، قال: قم فانحره، فنحره، قال: لا أم لك (2) ، كم قتلت فيها من قرادة، وحلمة، وحمنانة (3) (17) قتل الفواسق الخمس وكل ما يؤذي: فعن عائشة قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمس من الدواب كلهن فاسق (4) يقتلن في الحرم (5) : الغراب، والحدأة، والعقرب.
والفأرة، والكلب العقور ".
رواه مسلم، والبخاري، وزاد " الحية ".
وقد اتفق العلماء على إخراج غراب الزرع، وهو الغراب الصغير الذي يأكل الحب.
ومعنى الكلب العقور: كل ما عقر الناس وأخافهم، وعدا عليهم، مثل الاسد، والنمر، والفهد والذئب.
لقول الله تعالى: " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات، وما علمتم من الجوارح (6) مكلبين (7) تعلمونهن مما علمكم الله " فاشقها من الكلب.
وقالت الاحناف: لفظ " الكلب " قاصر عليه، لا يلحق به غيره في هلا الحكم سوى الذئب.
قال ابن تيمية: وللمحرم أن يقتل ما يؤذي - بعادته - الناس، كالحية، والعقرب، والفأرة، والغراب، والكلب العقور.

(1) " يقرد " أي ينزع.
(2) " لا أم لك: سب وذم، وقد يكثر على الالسنة ولا يقصد به الذم.
(3) " الحمنانة ": أقل من الحلمة.
(4) سميت بهذا الاسم لخروجها عن حكم غيرها من الحيوانات، في تحريم قتل المحرم لها، فإن الفسق معناه الخروج. وقيل: إنما وصفت بهذا الوصف لخروجها عن غيرها من الحيوانات، في حل أكله، أو لخروجها عن حكم غيرها بالايذاء، والافساد، وعدم الانتفاع.
(5) والحل أيضا. وهو رواية مسلم.
(6) " الجوارح ": الكواسب التي تصاد، وهي سباع البهائم والطير كالكب، والصقر.
(7) " مكلبين ": أي معلمين.