تحريم المساجد والسرج على المقابر

النعل إلا إذا مشوا بها.
وكره الامام أحمد المشي بالنعال السبتية (1) في المقابر، لما رواه أبو داودو النسائي وابن ماجه عن بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل يمشي في القبور عليه نعلان.
فقال: " يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك " فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما.
قال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره ذلك لما فيه من الخيلاء، وذلك أن نعال السبت من لباس أهل الترفه والتنعم.
ثم قال: فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ولباس اهل الخشوع.
والكراهة عند أحمد عند عدم العذر.
فإذا كان هناك عذر يمنع الماشي من الخلع كالشوكة أو النجاسة انتفت الكراهة.
النهي عن ستر القبور لا يحل ستر الاضرحة، لما فيه من العبث وصرف المال في غير غرض شرعي، وتضليل العامة، روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزاة، فأخذت نمطا (2) فسترته على الباب، فلما قدم رأى النمط، فجذبه حتى هتكه، ثم قال: " إن الله لم يأمرنا ان نكسو الحجارة والطين ".

تحريم المساجد والسرج على المقابر:
جاءت الاحاديث الصحيحة الصريحة بتحريم بناء المساجد في المقابر واتخاذ السرج عليها.
1 - روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " 2 - روى أحمد واصحاب السنن إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي، عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
3 - وفي صحيح مسلم عن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون

(1) السبتية: أي النعال المدبوغة بالقرظ.
(2) " النمط " ضرب من البسط له خمل رقيق.

لي منكم خليل، فان الله عز وجل قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك.
" 4 - وفيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
5 - وروى البخاري ومسلم عن عائشة، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة - رأتاها بالحبشة فيها تصاوير - لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ".
قال صاحب المغني: ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن المساجد والسرج " رواه أبو داود والنسائي ولفظه: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الخ " ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، ولان فيه تضييعا للمال في غير فائدة وافراطا في تعظيم القبور اشبه تعظيم الاصنام، ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا.
متفق عليه.
وقالت عائشة: إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدا، ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام لها والتقرب إليها، وقد روينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الاموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عليها (1) .

(1) قال معلقه: يشير إلى ما رواه البخاري عن ابن عباس من سبب اتخاذ قوم نوح للاصنام: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وحاصله أن هذه أسماء رجال صالحين اتخذ الناس لهم صورا بعد موتهم ليتذكروا بها فيقتدوابهم، فلما ذهب العلم زين لهم الشيطان عبادة صورهم وتماثيلهم بتعظيمها والتمسح بها والتقرب إليها، ومسحها: إمرار اليد عليها تبركا وتوسلا بها، وكذلك فعل الناس بقبور الصالحين، وسرى ذلك من الوثنيين إلى أهل الكتاب فالمسلمين، فالاصنام في ذلك سواء.