السنة في بناء المقابر

المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد كحديث " واسألوا له التثبيت " ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدى به والى الان.
وذهبت المالكية في المشهور عنهم، وبعض الحنابلة الى ان التلقين مكروه.
وقال الاثرم: قلت لاحمد: هذا الذي يصنعونه، إذا دفن الميت، يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة ... قال: ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة.
يروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن أشياخهم: أنهم كانوا يفعلونه، وكان إسماعيل بن عياش يرويه، يشير إلى حديث أبي أمامة.

السنة في بناء المقابر:
من السنة ان يرفع القبر عن الارض قدر شبر، ليعرف أنه قبر، ويحرم رفعه زيادة على ذلك.
لما رواه مسلم وغيره عن هرون: أن ثمامة بن شفى حدثه.
قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم " برودس " فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي.
ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها.
وروي عن ابي الهياج الاسدي.
قال: قال لي علي بن أبي طالب: الا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته.
قال الترمذي: " والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون ان يرفع القبر فوق الارض إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عليه ".
وقد كان الولاة يهدمون ما بني في المقابر - مما زاد على المشروع - عملا بالسنة الصحيحة.
قال الشافعي: " وأحب الا يزاد في القبر تراب من غيره، وإنما أحب ان يشخص على وجه الارض شبرا أو نحوه وأحب أن لايبنى ولايجصص، فان ذلك يشبه الزينة والخيلاء.
وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والانصار مجصصة.
وقد رأيت من الولاة من يهدم ما بني في المقابر، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك.
" قال الشوكاني: والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك اصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلانكير - كما قال الامام يحيى والمهدي في الغيث - لا يصح، لان غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت

لا يكون دليلا إذا كان في الامور الظنية، وتحريم رفع القبور ظن.
ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أوليا القباب والمشاهد المعمورة على القبور، وايضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك..وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها مفاسد يبكي لها الاسلام.
منها اعتقاد الجهلة فيها كاعتقاد الكفار في الاصنام، وعظموا ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأل العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة: إنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالاصنام إلا فعلوه.
فانا لله وإنا إليه راجعون ... ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع، لاتجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لاعالما، ولا متعلما، ولا أميرا ولاوزيرا ولاملكا.
وقد توارد إلينا من الاخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه، حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الادلة الدالة على ان شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين ويا ملوك الاسلام أي رزء للاسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا؟.
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد وقد أفتى العلماء بهدم المساجد والقباب التي بنيت على المقابر.
قال ابن حجر في الزواجر (1) : وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي
على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار، لانها أسست على معصية رسول الله

(1) كانت هذه الفتوى في عهد الملك الظاهر حين عزم على هدم كل ما في القرافة في البناء، فاتفق علماء عصره على أنه يجب على ولي الامر هدم ذلك كله.

صلى الله عليه وسلم، لانه نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور المشرفة.
وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره.
تسنيم القبر وتسطيحه اتفق الفقهاء على جواز تسنيم القبر وتسطيحه.
قال الطبري: لاأحب أن يتعدى في القبور أحد المعنيين من تسويتها بالارض، أو رفعها مسنمة قدر شبر على ما عليه عمل المسلمين، وتسوية القبور ليست بتسطيح.
وقد اختلف الفقهاء في الافضل منها، فنقل القاضي عياض عن أكثر أهل العلم: ان الافضل تسنيمها، لان سفيان النمار حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما، رواه البخاري.
وهذا رأي أبي حنيفة ومالك واحمد والمزني وكثير من الشافعية.
وذهب الشافعي إلى أن التسطيح أفضل لامر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسوية.
تعليم القبر بعلامة يجوز أن يوضع على القبر علامة، من حجرة أو خشب يعرف بها، لما رواه ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم " أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة " أي وضع عليه الصخرة ليتبين به.
وفي الزوائد: هذا إسناد حسن رواه أبو داود من حديث المطلب بن أبي وداعة.
وفيه: أنه حمل الصخرة فوضعها عند رأسه وقال: " أتعلم بها قبر أخي، وادفن إليه من مات من أهلي ".
وفي الحديث استحباب جمع الموتى الاقارب في أماكن متجاورة لانه أيسر لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم.
خلع النعال في المقابر ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا بأس بالمشي في المقابر بالنعال.
قال جرير بن حازم: رأيت الحسن وابن سيرين يمشيان بين القبور بنعالهم.
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أنه قال: " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه اصحابه.
إنه ليسمع قرع نعالهم " وقد استدل العلماء بهذا الحديث على جواز المشي في المقابر بالنعل: إذ لا يسمع قرع