وهل تقبل شهادة الفاسق إذا تاب؟

أما الفقهاء فقالوا: إنها مقيدة بالصلاح في الدين وبالاتصاف بالمروءة.
أما الصلاح في الدين فيتم بأداء الفرائض والنوافل واجتناب المحرمات والمكروهات وعدم ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة.
أما المروءة فهي أن يفعل الانسان ما يزينه ويترك ما يشينه من الاقوال والافعال.
وهل تقبل شهادة الفاسق إذا تاب؟
اتفق الفقهاء على قبول شهادة الفاسق إذا تاب.
إلا أن الامام أبا حنيفة قال: إذا كان فسقه بسبب القذف في حق الغير فإن شهادته لاتقبل، لقول الله تعالى: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " (1) .
3، 4 - البلوغ والعقل: ولما كانت العدالة شرطا في قبول الشهادة فإن البلوغ والعقل شرط في العدالة.
فلا تقبل شهادة الصغير - ولو شهد على صبي مثله - ولا المجنون ولا المعتوه لان شهادتهم لا تفيد

سورة النور الآية رقم 4.

اليقين الذي يحكم بمقتضاه.
وأجاز الامام مالك شهادة الصبيان في الجراح ما لم يختلفوا ولم يتفرقوا كما أجازها عبد الله بن الزبير.
وكذلك عمل الصحابة وفقهاء المدينة بشهادة الصبيان على تجارح بعضهم بعضا، وهذا هو الراجح.
فإن الرجال لا يحضرون معهم في لعبهم، ولو لم تقبل شهادتهم وشهادة النساء منفردات لضاعت الحقوق وتعطلت وأهملت مع غلبة الظن أو القطع بصدقهم، ولاسيما إذا جاءوا مجتمعين قبل تفرقهم ورجوعهم إلى بيوتهم وتواطأوا على خبر واحد، وفرقوا وقت الاداء واتفقت كلمتهم، فان الظن الحاصل حينئذ من شهادتهم أقوى بكثير من الظن الحاصل من شهادة رجلين، وهذا مما لا يمكن دفعه وجحده، فلا نظن بالشريعة الكاملة، الفاضلة المنتظمة لمصالح العباد في المعاش والمعاد أنها تهمل مثل هذا الحق وتضيعه مع ظهور أدلته وقوتها، وتقبله مع الدليل الذي هو دون ذلك.
5 - الكلام: ولا بد أن يكون الشاهد قادرا على الكلام، فإذا كان أخرس لايستطيع النطق فان شهادته لاتقبل، ولو كان يعبر بالاشارة وفهمت اشارته إلا إذا

كتب الشهادة بخطه، وهذا عند أبي حنيفة وأحمد والصحيح من مذهب الشافعي.
6 - الحفظ والضبط: فلا تقبل شهادة من عرف بسوء الحفظ وكثرة السهو والغلط لفقد الثقة بكلامه، ويلحق به المغفل ومن على شاكلته.
7 - نفي التهمة: ولاتقبل شهادة المتهم بسبب المحبة أو العداوة.
وخالف في ذلك عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه وقالوا: تقبل شهادة الولد لوالده والوالد لولده ما دام كل منهما عدلا مقبول الشهادة: أفاده الشوكاني وابن رشد. فلا تقبل شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة بينهما عداوة دنيوية لوجود التهمة. أما إذا كانت العداوة دينية فإنها لا توجب التهمة لان الدين ينهي عن شهادة الزور. فلا توجد التهمة في هذه الحالة. وكذلك لا تقبل شهادة الاصل كالولد يشهد الوالده وشهادة الفرع كالوالد يشهد لولده ولكن تجوز الشهادة عليهما. ومثل ذلك الام تشهد لابنها والابن يشهد لامه.
والخادم الذي

ينفق عليه صاحب البيت، فإن الشهادة في هذه الحال لا تقبل لوجود التهمة ولما روته السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لاتقبل شهادة خائن ولا خائنة ولاذي غمر (1) على أخيه المسلم. ولا شهادة الولد لوالده ولا شهادة الوالد لولده ".
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولاذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لاهل البيت.
والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت "، رواه أحمد وأبو داود قال في التلخيص لابن حجر: وسنده قوي.
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تقبل شهادة خصم على خصمه " اعتمد الشافعي هذا الخبر.
قال الحافظ: ليس له إسناد صحيح لكن له

(1) صاحب الحقد: والعداوة تظهر في الاقوال أو الافعال ومن مظاهرها أن يفرح بما يصيب عدوه من ضير ويحزن لما يصيبه من خير ويتمنى له كل شر. وذكر الفقهاء من أسباب العداوة القذف والغضب والسرقة والقتل وقطع الطريق فلا تقبل شهادة المغضوب منه على الغاضب ولا شهادة المقذوف على القاذف ولا المسروق على السارق ولا ولي المقتول على القاتل.