المخدرات

ويخرج على هذا ألا تحريم أيضا على مذهب من يرى أن النهي لا يعود بفساد المنهي عنه.
والقياس المعارض لحمل الخل على التحريم، أنه قد علم من ضرورة الشرع أن الاحكام المختلفة، إنما هي للذوات المختلفة، وأن ذات الخمر غير ذات الخل، والخل بالاجماع حلال.
فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل، وجب أن يكون حلالا كيفما انتقل (1) .
المخدرات:
هذا هو حكم الله في الخمر، أما ما يزيل العقل من غير الاشربة، مثل: البنج، والحشيش وغيرهما من المخدرات، فإنه حرام، لانه مسكر.
ففي حديث مسلم الذي تقدم ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ".
وقد سئل مفتي الديار المصرية الشيخ عبد المجيد سليم، رحمه الله، عن حكم الشرع في المواد المخدرة، واشتمل السؤال على المسائل الآتية: 1 - تعاطي المواد المخدرة.
2 - الاتجار بالمواد المخدرة، واتخاذها وسيلة للربح التجاري.
3 - زراعة الخشخاش والحشيش بقصد البيع أو استخراج المادة المخدرة منهما، للتعاطي أو للتجارة.
4 - الربح الناجم من هذا السبيل، أهو ربح حلال أم حرام؟ وقد أجاب فضيلته بما يأتي: (1) تعاطي المواد المخدرة: إنه لا يشك شاك، ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطي هذه المواد حرام، لانها تؤدي إلى مضار جسيمة، ومفاسد كثيرة، فهي تفسد العقل، وتفتك

(1) ج 1 ص 438

بالبدن إلى غير ذلك من المضار والمفاسد.
فلا يمكن أن تأذن الشريعة بتعاطيها مع تحريمها لما هو أقل منها مفسدة وأخف ضررا.
ولذلك قال بعض علماء الحنفية: " إن من قال بحل الحشيش زنديق مبتدع ".
وهذا منه دلالة على ظهور حرمتها ووضوحها، ولانه لما كان الكثير من هذه المواد يخامر العقل ويغطيه، ويحدث من الطرب واللذة عند متناوليها ما يدعوهم إلى تعاطيها والمداومة عليها، كانت داخلة فيما حرمه الله تعالى في
كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الخمر والمسكر.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية ما خلاصته: " إن الحشيشة حرام، يحد متناولها كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل.
تخنث ودياثة، وغير ذلك من الفساد، وأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا أو معنى قال أبو موسى الاشعري رضي الله عنه: يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن: " البتع " وهو العسل ينبذ حتى يشتدو " المزر " وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه فقال: " كل مسكر حرام ".
رواه البخاري ومسلم.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من الحنطة خمرا، ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن التمر خمرا، ومن العسل خمرا.
وأنا أنهى عن كل مسكر ".
رواه أبو داوود وغيره.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر خمر.
وكل مسكر حرام ".
وفي رواية: " كل مسكر خمر.
وكل خمر حرام ".
رواهما مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق (1) منه فملء الكف منه حرام ".
قال الترمذي حديث حسن.
وروى ابن السني عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال: " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وصححه الحفاظ.
وعن جابر رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر.
قال: " أمسكر هو؟ " قال: نعم.
فقال: " كل مسكر حرام، إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال ".
قالوا يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: " عرق أهل النار " أو قال: " عصارة أهل النار ".
رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
" كل مخمر وكل مسكر حرام (2) ".
رواه أبو داود.
والاحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة.
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل وأسكر ولم يفرق بين نوع ونوع، ولا تأثير لكونه مأكولا أو مشروبا.
على أن الخمر قد يصطبغ بها: أي تجعل إداما، وهذه الحشيشة قد تذاب بالماء وتشرب، فالخمر يشرب ويؤكل، والحشيشة تؤكل وتشرب، وكل ذلك حرام، وحدوثها بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم والائمة لا يمنع من دخولها في عموم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسكر.
فقد حدثت شربة مسكرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها داخلة في الكلم الجوامع أمن الكتاب والسنة ".
انتهت خلاصة كلام ابن تيمية.
وقد تكلم رحمه الله عنها أيضا غير مرة في فتاواه.
فقال ما خلاصته: " هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها، ومستحلوها، الموجبة لسخط

(1) تقدم معنى الفرق.
والمعنى: ما أسكر كثيره فقليله حرام.
((2) المخمر: ما يغطي العقل.

الله تعالى، وسخط رسوله، وسخط عباده المؤمنين.
المعرضة صاحبها لعقوبة الله، تشتمل على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه.
وتفسد الامزجة حتى جعلت خلقا كثيرا مجانين، وتورث من مهانة آكلها ودناءة نفسه وغير ذلك ما لا تورث الخمر.
ففيها من المفاسد ما ليس في الخمر.
فهي بالتحريم أولى.
وقد أجمع المسلمون على أن السكر منها حرام.
ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
وإن القليل منها حرام أيضا بالنصوص الدالة على تحريم الخمر وتحريم كل مسكر " اه.
وقد تبعه تلميذ الامام المحقق ابن القيم رحمه الله، فقال في زاد المعاد ما خلاصته: " إن الخمر يدخل فيها كل مسكر: مائعا كان أو جامدا، عصيرا أو مطبوخا.
فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور - ويعني بها الحشيشة - لان هذا كله خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده ولا إجمال في متنه، إذ صح عنه قوله: " ... كل مسكر خمر ... ".
وصح عن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أعلم الامة بخطابه ومراده،
بأن الخمر ما خامر العقل.
على أنه لو لم يتناول لفظه صلى الله عليه وسلم كل مسكر، لكان القياس الصحيح الصريح الذي استوى فيه الاصل والفرع من كل وجهة، حاكما بالتسوية بين أنواع المسكر، فالتفريق بين نوع ونوع، تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه " اه.
وقال صاحب سبل السلام شرح بلوغ المرام: " إنه يحرم ما أسكر من أي شئ، وإن لم يكن مشروبا، كالحشبشة ".
ونقل عن الحافظ ابن حجر: " ان من قال: إن الحشيشة لا تسكر وإنما هي مخدر، مكابر، فإنها تحدث ما تحدثه الخمر من الطرب والنشوة ".
ونقل عن ابن البيطار - من الاطباء - أن الحشيشة التي توجد في مصر

مسكرة جدا، إذا تناول الانسان منها قدر درهم أو درهمين.
وقبائح خصالها كثيرة.
وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية.
وقبائح خصالها موجودة في الافيون.
وفيه زيادة مضار " اه.
وما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من العلماء هو الحق الذي يسوق إليه الدليل وتطمئن به النفس.
وإذ قد تبين أن النصوص من الكتاب والسنة تتناول الحشيش، فهي تتناول أيضا الافيون، الذي بين العلماء أنه أكثر ضررا.
ويترتب عليه من المفاسد ما يزيد على مفاسد الحشيش كما سبق عن ابن البيطار.
وتتناول أيضا سائر المخدرات التي حدثت ولم تكن معروفة من قبل، إذ هي كالخمر من العنب مثلا في أنها تخامر العقل وتغطيه.
وفيها ما في الخمر من مفاسد ومضار وتزيد عليها بمفاسد أخرى كما في الحشيش، بل أفظع وأعظم، كما هو مشاهد ومعلوم ضرورة.
ولا يمكن أن تبيح الشريعة الاسلامية شيئا من هذه المخدرات، ومن قال بحل شئ منها فهو من الذين يفترون على الله الكذب، أو يقولون على الله ما لا يعلمون.
وقد سبق أن قلنا: إن بعض علماء الحنفية قال: " إن من قال بحل الحشيشة زنديق مبتدع ".
وإذا كان من يقول بحل الحشيشة زنديقا مبتدعا فالقائل بحل شئ من هذه المخدرات الحادثة التي هي أكثر ضررا وأكبر فسادا زنديق مبتدع أيضا، بل أولى بأن يكون كذلك.
وكيف تبيح الشريعة الاسلامية شيئا من هذه المخدرات التي يلمس ضررها البليغ بالامة أفرادا وجماعات، ماديا، وصحيا، وأدبيا، كما جاء في السؤال.
مع أن مبنى الشريعة الاسلامية على جلب المصالح الخالصة أو الراجحة، وعلى درء المفاسد والمضار كذلك.
وكيف يحرم الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم الخمر من العنب مثلا: كثيرها وقليلها، لما فيها من المفسدة، ولان قليلها داع إلى كثيرها وذريعة

إليه.
ويبيح من المخدرات ما فيه هذه المفسدة، ويزيد عليها بما هو أعظم منها وأكثر ضررا للبدن والعقل والدين والخلق والمزاج؟ هذا لا يقوله إلا رجل جاهل بالدين الاسلامي، أو زنديق مبتدع كما سبق القول.
فتعاطي هذه المخدرات على أي وجه من وجوه التعاطي من أكل أو شرب أو شم أو احتقان حرام، والامر في ذلك ظاهر جلي.
(2) الاتجار بالمواد المخدرة، واتخاذها وسيلة للربح التجاري: إنه قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تحريم الخمر، منها ما روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والاصنام ".
وورد عنه أيضا أحاديث كثيرة مؤداها أن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه وأكل ثمنه.
وقد علم من الجواب عن السؤال الاول أن اسم الخمر يتناول هذه المخدرات شرعا، فيكون النهي عن بيع الخمر متناولا لتحريم بيع هذه المخدرات.
كما أن ما ورد من تحريم بيع كل ما حرمه الله، يدل أيضا على تحريم بيع هذه المخدرات.
وحينئذ يتبين جليا حرمة الاتجار في هذه المخدرات واتخاذها حرفة تدر الربح، فضلا عما في ذلك من الاعانة على المعصية التي لاشبهة في حرمتها، لدلالة القرآن على تحريمها بقوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ".
ولاجل ذلك كان الحق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من تحريم بيع عصير العنب لمن يتخذه خمرا، وبطلان هذا البيع لانه إعانة على المعصية.

(3) زراعة الخشخاش والحشيش بقصد البيع واستخراج المادة المخدرة منهما للتعاطي أو للتجارة:
إن زراعة الحشيش والافيون لاستخراج المادة المخدرة منهما لتعاطيها أو الاتجار فيها حرام بلا شك، لوجوه: (أولا) ما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار ".
فإن هذا يدل على حرمة زراعة الحشيش والافيون للغرض المذكور، بدلالة النص.
(ثانيا) إن ذلك إعانة على المعصية.
وهي تعاطي هذه المخدرات أو الاتجار فيها.
وقد بينا فيما سبق أن الاعانة على المعصية معصية.
(ثالثا) إن زراعتها لهذا الغرض رضا من الزارع بتعاطي الناس لها، واتجارهم فيها، والرضا بالمعصية معصية.
وذلك لان إنكار المنكر بالقلب الذي هو عبارة عن كراهة القلب وبغضه للمنكر، فرض على كل مسلم في كل حال، بل ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من لم ينكر المنكر بقلبه - بالمعنى الذي أسلفنا - ليس عنده من الايمان حبة خردل ".
على أن زراعة الحشيش والافيون معصية من جهة أخرى، بعد نهي ولي الامر عنها بالقوانين التي وضعت لذلك، لوجوب طاعة ولي الامر فيما ليس بمعصية لله ولرسوله بإجماع المسلمين، كما ذكر ذلك الامام النووي في شرح مسلم في باب طاعة الامراء.
وكذا يقال هذا الوجه الاخير في حرمة تعاطي المخدرات والاتجار فيها.
(4) الربح الناجم من هذا السبيل: قد علم مما سبق أن بيع هذه المخدرات حرام فيكون الثمن حراما:

(أولا) لقوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ".
أي لا يأخذ ولا يتناول بعضكم مال بعض بالباطل.
وأخذ المال بالباطل على وجهين:
1 - أخذه على وجه الظلم، والسرقة، والخيانة، والغصب، وما جرى مجرى ذلك.
2 - أخذه من جهة محظورة كأخذه بالقمار، أو بطريق العقود المحرمة، كما في الربا، وبيع ما حرم الله الانتفاع به، كالخمر المتناولة للمخدرات المذكورة كما بينا آنفا.
فإن هذا كله حرام وإن كان بطيبة نفس من مالكه.
(ثانيا) للاحاديث الواردة في تحريم ثمن ما حرم الله الانتفاع به.
كقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ".
رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس.
وقد جاء في زاد المعاد ما نصه: قال جمهور الفقهاء: إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه، بخلاف ما إذا بيع لمن يأكله.
وكذلك السلاح إذا بيع لمن يقاتل به مسلما حرم أكل ثمنه.
وإذا بيع لمن يغزو به في سبيل الله فثمنه من الطيبات.
وكذلك ثياب الحرير: إذا بيعت لمن يلبسها ممن يحرم عليه لبسها، حرم
أكل ثمنها، بخلاف بيعها ممن يجل له لبسها " اه وإذا كانت الاعيان التي يحل الانتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية الله - على رأي جمهور الفقهاء، وهو الحق - يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الادلة وغيرها عليه، كان ثمن العين التي لا يحل الانتفاع بها - كالمخدرات - حراما من باب أولى.
وإذا كان ثمن هذه المخدرات حراما، كان خبيثا، وكان إنفاقه في القربات - كالصدقات والحج - غير مقبول: أي لا يثاب المنفق عليه.

فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر بما أمر به المرسلين.
فقال تعالى: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " الآية.
وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون " (1) .
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء..يا رب..يا رب..ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ ".
وقد جاء في الحديث الذي رواه الامام أحمد في المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالا من حرام، فينفق منه، فيبارك
له فيه: ولا يتصدق فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده في النار، إن الله لا يمحو السئ بالسئ، ولكن يمحو السئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث ".
وجاء في كتاب جامع العلوم والحكم، لابن رجب، أحاديث كثيرة وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا الموضوع.
منها ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كسب ما لا حراما فتصدق به لم يكن له أجر، وكان إصره - يعني إثمه وعقوبته - عليه ".
ومنها ما في مراسيل القاسم بن مخيمرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصاب مالا من مأثم فوصل به رحمه، أو تصدقه به، أو أنفقه في سبيل الله، جمع ذلك جميعا ثم قذف به في نار جهنم ".

(1) سورة البقرة الآية 172.

وجاء في شرح " ملا علي القاري " للاربعين النووية عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه إذا خرج الحاج بالنفقه الخبيثة، فوضع رجله في الغرز - أي الركاب - وقال لبيك، ناداه ملك من السماء: لالبيك ولاسعديك، وحجك مردود عليك ".
فهذه الاحاديث التي يشد بعضها بعضا، تدل على أنه لا يقبل الله صدقة، ولا حجة، ولا قربة أخرى من القرب من مال خبيث حرام.
ومن أجل ذلك نص علماء الحنفية على أن الانفاق على الحج من المال الحرام حرام.
وخلاصة ما قلناه: (أولا) تحريم تعاطي الحشيش والافيون والكوكايين ونحوهما من المخدر.
(ثانيا) تحريم الاتجار فيها، واتخاذها حرفة تدر الربح.
(ثالثا) حرمة زراعة الافيون والحشيش، لاستخلاص المادة المخدرة لتعاطيها أو الاتجار فيها.
(رابعا) ان الربح الناتج من الاتجار في هذه المواد حرام خبيث، وأن إنفاقه في القربات غير مقبول، وحرام.
قد أطلت القول إطالة قد تؤدي إلى شئ من الملل.
ولكني آثرتها تبيانا للحق، وكشفا للصواب، ليزول ما قد عرض من شبهة عند الجاهلين، وليعلم أن القول بحل هذه المخدرات من أباطيل المبطلين وأضاليل الضالين المضلين.
وقد اعتمدت فيما قلت أو اخترت على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى أقوال الفقهاء التي تنفق مع أصول الشريعة الغراء ومبادئها القويمة.
انتهت والحمد لله رب العالمين وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.