الإيلاء

الإيلاء:
تعريفه:
الايلاء (1) في اللغة: الامتناع باليمين: وفي الشرع: الامتناع باليمين من وطء الزوجة.
ويستوي في ذلك اليمين بالله، أو الصوم، أو الصدقة، أو الحج، أو الطلاق.
وقد كان الرجل في الجاهلية يحلف على ألا يمس امرأته السنة، والسنتين، والاكثر من ذلك بقصد الاضرار بها، فيتركها معلقة، لاهي زوجة، ولاهي مطلقة.
فأراد الله سبحانه أن يضع حدا لهذا العمل الضار.
فوقته بمدة أربعة أشهر، يتروى فيها الرجل، عله يرجع إلى رشده، فإن رجع في تلك المدة، أو في آخرها، بأن حنث في اليمين، ولامس زوجته، وكفر عن يمينه فيها، وإلا طلق.
فقال: " للذين يؤلون من نسائهم تربص (2) أربعة أشهر. فإن فاءوا (3) فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم (4) ".
مدة الايلاء (5) :
اتفق الفقهاء على أن من حلف ألا يمس زوجته أكثر من أربعة أشهر كان موليا.
واختلفوا فيمن حلف ألا يمسها أربعة أشهر:

(1) آلى يولي إيلاء وإلية إذا حلف فهو مول.
(2) التربص: الانتظار.
(3) فاءوا: رجعوا.
(4) سورة البقرة الاية: 227.
(5) تبدأ المدة من وقت اليمين.

فقال أبو حنيفة وأصحابه: يثبت له حكم الايلاء.
وذهب الجمهور ومنهم الائمة الثلاثة: إلى أنه لا يثبت له حكم الايلاء، لان الله جعل له مدة أربعة أشهر، وبعد انقضائها: إما الفئ وإما الطلاق.
حكم الايلاء:
إذا حلف ألا يقرب زوجته، فإن مسها في الاربعة الاشهر، انتهى الايلاء ولزمته كفارة اليمين.
إذا مضت المدة ولم يجامعها، فيرى جمهور العلماء أن للزوجة أن تطالبه: إما بالوطء وإما بالطلاق.
فإن امتنع عنهما فيرى مالك أن للحاكم أن يطلق عليه دفعا للضرر عن الزوجة.
ويرى أحمد والشافعي وأهل الظاهر أن القاضي لا يطلق وإنما يضيق على الزوج ويحبسه حتى يطلقها بنفسه.
وأما الاحناف فيرون أنه إذا مضت المدة ولم يجامعها فإنها تطلق طلقة بائنة بمجرد مضي المدة.
ولا يكون للزوج حق المراجعة لانه أساء في استعمال حقه بامتناعه عن الوطء بغير عذر، ففوت حق زوجته وصار بذلك ظالما لها.
ويرى الامام مالك أن الزوج يلزمه حكم الايلاء إذا قصد الاضرار بترك الوطء وإن لم يحلف على ذلك، لوقوع الضرر في هذه الحال كما هو واقع في حالة اليمين.
الطلاق الذي يقع بالايلاء: والطلاق الذي يقع بالايلاء طلاق بائن، لانه لو كان رجعيا لامكن للزوج أن يجبرها على الرجعة، لانها حق له، وبذلك لا تتحقق مصلحة الزوجة، ولا يزول عنها الضرر.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
وذهب مالك والشافعي وسعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن إلى أنه طلاق رجعي، لانه لم يقم دليل على أنه بائن، ولانه طلاق زوجة مدخول بها من غير عوض ولا استيفاء عود.

عدة الزوجة المولى منها:
ذهب الجمهور إلى أن الزوجة المولى منها تعتد كسائر المطلقات لانها مطلقة، وقال جابر بن زيد: لا تلزمها عدة إذا كانت قد حاضت في مدة الاربعة أشهر ثلاث حيض.
قال ابن رشد: وقال بقوله طائفة، وهو مروي عن ابن عباس، وحجته: أن العدة إنما وضعت لبراءة الرحم.
وهذه قد حصلت لها البراءة.

حق الزوج على زوجته من حق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية، وأن تحفظه في نفسها وماله، وأن تمتنع عن مقارفة أي شئ يضيق به الرجل، فلا تعبس في وجهه، ولا تبدو في صورة يكرهها، وهذا من أعظم الحقوق.
روى الحاكم عن عائشة قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها.
قالت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه ".
ويؤكد رسول الله هذا الحق فيقول: " لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد.
لامرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها ".
رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان.
وقد وصف الله سبحانه الزوجات الصالحات فقال: " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله (1) ".
والقانتات هن الطائعات، والحافظات للغيب: أي اللائي يحفظن غيبة أزواجهن، فلا يخنه في نفس أو مال.
وهذا أسمى ما تكون عليه المرأة، وبه تدوم الحياة الزوجية، وتسعد.
وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ".
ومحافظة الزوجة على هذا الخلق يعتبر جهادا في سبيل الله.
روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك: هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون.
ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا

(1) سورة النساء من الاية: 34.

من ذلك؟ فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: " أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك.
وقليل منكن من يفعله ".
ومن عظم هذا الحق أن قرن الاسلام طاعة الزوج بإقامة الفرائض الدينية وطاعة الله، فعن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " رواه أحمد والطبراني.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راض، دخلت الجنة ".
وأكثر ما يدخل المرأة النار، عصيانها لزوجها، وكفرانها إحسانه إليها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء.
يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط ".
رواه البخاري.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجئ، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح ". رواه أحمد والبخاري ومسلم.
وحق الطاعة هذا مقيد بالمعروف.
فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلو أمرها بمعصية وجب عليها أن تخالفه.
ومن طاعتها لزوجها ألا تصوم نافلة إلا بإذنه، وألا تحج تطوعا إلا بإذنه، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه.
روى أبو داود الطيالسي، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " حق الزوج على زوجته ألا تمنعه نفسها، ولو كان على ظهر قتب (1) وأن لا تصوم يوما واحدا إلا بإذنه، إلا لفريضة، فإن فعلت

(1) قتب: ظهر بعير.

أثمت، ولم يتقبل منها، وألا تعطي من بيتها شيئا إلا بإذنه، فإن فعلت كان له الاجر، وعليها الوزر، وألا تخرج من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع، وإن كان ظالما ".
عدم إدخال من يكره الزوج: ومن حق الزوج على زوجته أن لا تدخل أحدا بيته يكرهه إلا بإذنه.
عن عمرو بن الاحوص الجشمي رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ. ثم قال: " ألا، واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان (1) عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة.
فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.
ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن ألا يوطئن فروشكم من تكرهونه، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهونه، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ".
رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
خدمة المرأة زوجها: أساس العلاقة بين الزوج وزوجته هي المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
وأصل ذلك قول الله تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة (2) ".
فالاية تعطي المرأة من الحقوق مثل ما للرجل عليها، فكلما طولبت المرأة بشئ طولب الرجل بمثله.
والاساس الذي وضعه الاسلام للتعامل بين الزوجين وتنظيم الحياة بينهما، هو أساس فطري وطبيعي.
فالرجل أقدر على العمل والكدح والكسب خارج المنزل، والمرأة أقدر على تدبير المنزل، وتربية الاولاد، وتيسير أسباب الراحة

(1) عوان: بفتح العين وتخفيف الواو: أي أسيرات.
(2) سورة البقرة الاية: 228.

البيتية، والطمأنينة المنزلية، فيكلف الرجل ما هو مناسب له، وتكلف المرأة ما هو من طبيعتها، وبهذا ينتظم البيت من ناحية الداخل والخارج دون أن يجد أي واحد من الزوجين سببا من أسباب انقسام البيت على نفسه.
وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها، فجعل على فاطمة خدمة البيت، وجعل على علي العمل والكسب.
روى البخاري ومسلم أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحاء وتسأله خادمة.
فقال: " ألا أدلكم على ما هو خير لكما مما سألتما: إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم ".
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله وكان له فرس فكنت أسوسه، وكنت أحش له، وأقوم عليه.
وكانت تعلفه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
ففي هذين الحديثين ما يفيد بأن على المرأة أن تقوم بخدمة بيتها، كما أن على الرجل أن يقوم بالانفاق عليها.
وقد شكت السيدة فاطمة رضي الله عنها ما كانت تلقاه من خدمة، فلم يقل الرسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي لا خدمة عليها وإنما هي عليك.
وكذلك لما رأى خدمة أسماء لزوجها لم يقل لا خدمة عليها، بل أقره على استخدامها.
وأقر سائر أصحابه على خدمة أزواجهن. مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية.
قال ابن القيم: هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة دنيئة، وفقيرة وغنية.
فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها وجاءت الرسول صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها (1) .

(1) يشكها: أي لم يسمع شكايتها.