حق المرأة في اشتراط عدم التزوج عليها

حق المرأة في اشتراط عدم التزوج عليها:
كما أن الاسلام قيد التعدد بالقدرة على العدل، وقصره على أربع، فقد جعل من حق المرأة أو وليها أن يشترط ألا يتزوج الرجل عليها.
فلو شرطت الزوجة في عقد الزواج على زوجها ألا يتزوج عليها صح الشرط ولزم، وكان لها حق فسخ الزواج إذا لم يف لها بالشرط، ولا يسقط حقها في الفسخ إلا إذا أسقطته، ورضيت بمخالفته.
وإلى هذا ذهب الامام أحمد، ورجحه ابن تيمية، وابن القيم.
إذ الشروط في الزواج أكبر خطرا منها في البيع والاجارة، ونحوهما، فلهذا يكون الوفاء بما التزم منها أوجب وآكد.
واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي:
1 - بما رواه البخاري، ومسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ".
2 - ورويا عن عبد الله بن أبي مليكة أن المسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: " إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما
آذاها " وفي رواية: " إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ".
ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه، فأحسن، قال: " حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحدا أبدا ".

قال ابن القيم: فتضمن هذا الحكم أمورا: أن الرجل إذا اشترط لزوجته أن لا يتزوج عليها لزمه الوفاء بالشرط، ومتى تزوج عليها فلها الفسخ.
ووجه تضمن الحديث لذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن ذلك يؤذي فاطمة رضي الله عنها، ويريبها، وأنه يؤذيه صلى الله عليه وسلم ويريبه.
ومعلوم قطعا أنه صلى الله عليه وسلم إنما زوجه فاطمة رضي الله عنها على ألا يؤذيها، ولا يريبها، ولا يؤذي أباها صلى الله عليه وسلم ولا يريبه، وإن لم يكن هذا مشروطا في صلب العقد، فانه من المعلوم بالضرورة أنه إنما دخل عليه.
وفي ذكره صلى الله عليه وسلم صهره الاخر وثنائه عليه بأنه حدثه فصدقه ووعده فوفى له، تعريض بعلي رضي الله عنه وتهييج له على الاقتداء به، وهذا يشعر بأنه قد جرى منه وعد له بأنه لا يريبها ولا يؤذيها.
فهيجه على الوفاء له، كما وفى له صهره الاخر.
فيؤخذ من هذا أن المشروط عرفا كالمشروط لفظا، وأن عدمه يملك الفسخ لمشترطه، فلو فرض من عادة قوم أنهم لا يخرجون نساءهم من ديارهم ولا يمكنون الزوج من ذلك البتة.
واستمرت عادتهم بذلك، كان كالمشروط لفظا، وهو مطرد على قواعد أهل المدينة.
وقواعد أحمد رحمه الله، أن الشرط العرفي كاللفظي سواء، ولهذا أوجبوا الاجرة على من دفع ثوبه الى غسال أو قصار، أو عجينه إلى خباز، أو طعامه إلى طباخ يعملون بالاجرة، أو دخل الحمام واستخدم من يغسله ممن عادته أن يغسل بالاجرة، أنه يلزمه أجرة المثل.
وعلى هذا فلو فرض أن المرأة من بيت لا يتزوج الرجل على نسائهم ضرة، ولا يمكنونه من ذلك، وعادتهم مستمرة بذلك كان كالمشروط لفظا.
وكذلك لو كانت ممن يعلم أنها لا يمكن إدخال الضرة عليها عادة لشرفها، وحسبها، وجلالتها، كان ترك التزوج عليها كالمشروط لفظا.
وعلى هذا فسيدة نساء العالمين، وابنة سيد ولد آدم أجمعين، أحق النساء بهذا، فلو شرطه علي في صلب العقد كان تأكيدا لا تأسيسا، وفي منع علي من