حرمة المدينة

وحده من جهة الغرب " الشميسي " (1) بينها وبين مكة 15 كيلو مترا.
قال محب الدين الطبري: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: نصب إبراهيم أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام.
ثم لم تحرك حتى كان قصي، فجددها.
ثم لم تحرك حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم.
فبعث عام الفتح تميم بن أسيد الخزاعي فجددها.
ثم لم تحرك حتى كان عمر، فبعث أربعة من قريش.
محرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر ابن عبد عوف.
فجد دوها ثم جددها معاوية.
ثم أمر عبد الملك بتجديدها.

حرمة المدينة:
وكما يحرم صيد حرم مكة وشجره، كذلك يحرم صيد حرم المدينة وشجره.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها (2) ولا يصاد صيدها ".
رواه مسلم.
وروى أحمد، وأبو داود، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمن أشاد بها (3) ، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره ".
وفي الحديث المتفق عليه: " المدينة حرم، ما بين عير إلى ثور ".
وفيه عن أبي هريرة: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى.
" واللابتان " مثنى لابة.
و" اللابة " الحرة، وهي الحجارة السود.

(1) كانت تسمى الحديبية، وهي التي وقعت عندها بيعة الرضوان. فسميت الغزوة باسمها.
(2) " عضاهها " العضاه: واحدتها عضاهة: وهي الفجوة التي فيها الشوك الكثير.
(3) " أشاد بها ": رفع صوته بتعريفها.

والمدينة تقع بين اللابتين: الشرقية، والغربية.
وقدر الحرم باثني عشر ميلا، يمتد من عير إلى ثور و " عير " جبل عند الميقات، و " ثور " جبل عند أحد، من جهة الشمال.
ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة قطع الشجر لاتخاذه آلة للحرث، والركوب، ونحو ذلك مما لا غنى لهم عنه، وأن يقطعوا من الحشيش ما يحتاجون إليه لعلف دوابهم.
روى أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حرام ما بين حرتيها، وحماها كلها، لا يقطع شجرة إلا أن يعلف منها ".
وهذا بخلاف حرم مكة، إذ يجد أهله ما يكفيهم.
وحرم المدينة لا يجد أهله ما يستغنون به عنه.
وليس في قتل صيد الحرم المدني، ولا قطع شجره جزاء، وفيه الاثم.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المدينة حرم، من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
ومن وجد شيئا في شجره مقطوعا حل له أن يأخذه.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه، فسلبه.
فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم ما أخذ منه.
فقال: معاذ الله، أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم.
رواه مسلم.
وروى أبو داود، والحاكم، وصححه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه ".
هل فيه حرم آخر؟ قال ابن تيمية: وليس في الدنيا حرم، لا بيت المقدس، ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما " حرما " كما يسمي الجهال فيقولون:

حرم المقدس، وحرم الخليل، فإن هذين وغيرهما، ليسا بحرم، باتفاق المسلمين.
والحرم المجمع عليه: حرم مكة.
وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور كما استفاضت بذلك الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث، إلا وجاء، وهو واد بالطائف.
وهو عند بعضهم (1) حرم، وعند الجمهور ليس بحرم.
تفضيل مكة على المدينة ذهب جمهور العلماء: إلى أن مكة أفضل من المدينة.
لما رواه أحمد، وابن ماجه والترمذي، وصححه، عن عبد الله بن عدي ابن الحمراء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ".
وروى الترمذي، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: " ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ".
دخول مكة بغير احرام يجوز دخول مكة بغير إحرام، لمن لم يرد حجا ولا عمرة، سواء أكان دخوله لحاجة تتكرر - كالحطاب والحشاش والسقاء والصياد وغيرهم - أم لم تتكرر، كالتاجر والزائر، وغيرهما، وسواء أكان آمنا أم خائفا.
وهذا أصح القولين للشافعي، وبه يفتي أصحابه.
وفي حديث مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء، بغير إحرام.

(1) وهو الشافعي وقد رجح الشوكاني رأيه.