النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه

النخعي والليث وأحمد وداود، قال: ومثله في الكراهة الاتكاء عليه والاستناد إليه.
وذهب ابن عمر من الصحابة وأبو حنيفة ومالك إلى جواز القعود على القبر.
قال في الموطأ: إنما نهى عن القعود على القبور فيما نرى " نظن " للذاهب يقصد لقضاء حاجة الانسان من البول أو الغائط.
وذكر في ذلك حديثا ضعيفا.
وضعف أحمد هذا التأويل.
وقال: ليس هذا بشئ.
وقال النووي: هذا تأويل ضعيف أو باطل، وأبطله كذلك ابن حزم من عدة وجوه.
وهذا الخلاف في غير الجلو س لقضاء الحاجة، فاما إذا كان الجلوس لها، فقد اتفق الفقهاء على حرمته، كما اتفقوا على جواز المشي على القبور إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك.

النهي عن تجصيص القبر والكتابة عليه:
عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه.
رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
ولفظه: " نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها وأن يبني عليها وأن توطأ (1) " وفي لفظ النسائي: " أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه ".
والتجصيص معناه الطلاء بالجص، وهو الجير المعروف.
وقد حمل الجمهور النهي على الكراهة، وحمله ابن حزم على التحريم، وقيل: الحكمة في ذلك إن القبر للبلى لا للبقاء، وإن تجصيصه من زينة الدنيا، ولا حاجة للميت إليها.
وذكر بعضهم أن الحكمة في النهي عن تجصيص القبور كون الجص أحرق بالنار، ويؤيده ما جاء عن زيد بن أرقم أنه قال لمن أراد
أن يبني قبر ابنه ويجصصه: جفوت ولغوت، لا يقربه شئ مسته النار.
ولا بأس بتطيين القبر.
قال الترمذي: وقد رخص بعض أهل العلم - منهم الحسن البصري - في تطيين القبور.
وقال الشافعي: لا بأس به أن يطين القبر.

(1) توطأ: تداس.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الارض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة وجعل عليه الحصباء.
رواه أبو بكر النجاد وسكت الحافظ عليه في التلخيص.
وكما كره العلماء تجصيص القبر، كرهوا بناءه بالآجر أو الخشب أو دفن الميت في تابوت إذا لم تكن الارض رخوة أو ندية، فإن كانت كذلك جاز بناء القبر بالآجر ونحوه وجاز دفن الميت في تابوت من غير كراهة.
فعن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الآجر، ويستحبون القصب ويكرهون الخشب.
وفي الحديث النهي ة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها.
قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث: الاسناد صحيح وليس العمل عليه.
فإن أئمة المسلمين من الشرق والغرب يكتبون على قبورهم، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف.
وتعقبه الذهبي: بأنه محدث ولم يبلغهم النهي.
ومذهب الحنابلة: أن النهي ة الكراهة سواء أكانت قرآنا، أم كانت اسم الميت.
ووافقهم الشافعية إلا أنهم قالوا: إذا كان القبر لعالم أو صالح ندب كتابة اسمه عليه وما يميزه ليعرف.
ويرى المالكية: أن الكتابة إن كانت قرآنا حرمت.
وإن كانت لبيان اسمه أو تاريخ موته فهي مكروهة وقالت الاحناف: إنه يكره تحريما الكتابة على القبر إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره.
وقال ابن حزم: لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك.
وفي الحديث: النهي عن زيادة تراب القبر على ما يخرج منه، وقد بوب على هذه الزيادة البيهقي فقال: " باب لا يزاد على القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع ".
قال الشوكاني: وظاهره أن المراد بالزيادة عليه، الزيادة على ترابه.
وقيل: المراد بالزيادة عليه أن يقبر على قبر ميت آخر.
ورجح الشافعي المعنى الاول فقال: يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه.
وإنما استحب ذلك لئلا يرتفع القبر ارتفاعا كثيرا قال: فإن زاد فلا بأس.