استحباب اعطاء الصدقة للصالحين

" ولكن أكثر المسلمين لم يبق لهم في هذا العصر حكومات إسلامية، تقيم الاسلام بالدعوة إليه، والدفاع عنه والجهاد الذي يوجبه وجوبا عينيا، أو كفائيا، وتقيم حدوده، وتأخذ الصدقات المفروضة، كما فرضها الله، وتضعها في مصارفها التي حددها - بل سقط اكثرهم تحت سلطة دول الافرنج، وبعضهم تحت سلطة حكومات مرتدة عنه، أو ملحدة فيه. ولبعض الخاضعين لدون الافرنج رؤساء من المسلمين الجغرافيين، اتخذهم الافرنج آلات لاخضاع الشعوب لهم، باسم الاسلام حتى فيما يهدمون به الاسلام، ويتصرفون بنفوذهم وأموالهم الخاصة بهم، فيما له صفة دينية، من صدقات الزكاة، والاوقاف وغيرهما. فأمثال هذه الحكومات، لا يجوز دفع شئ من الزكاة لها، مهما يكن لقب رئيسها، ودينه الرسمي. وأما بقايا الحكومات الاسلامية، التي يدين أئمتها ورؤساؤها بالاسلام، ولا سلطان عليهم للاجانب في بيت مال المسلمين، فهي التي يجب أداء الزكاة الظاهرة لائمتها. وكذا الباطنة، كالنقدين إذا طلبوها، وإن كانوا جائرين في بعض أحكامهم، كما قال الفقهاء ". انتهى.

استحباب اعطاء الصدقة للصالحين
الزكاة تعطى للمسلم، إذا كان من أهل السهام، وذوي الاستحقاق، سواء أكان صالحا أم فاسقا (1) إلا إذا علم أنه سيستعين بها على ارتكاب ما حرم الله، فإنه يمنع منها، سدا للذريعة، فإذا لم يعلم عنه شئ، أو علم أنه سينتفع بها، فإنه يعطى منها.
وينبغي أن يخص المزكي بزكاته أهل الصلاح والعلم، وأرباب المروءات، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل المؤمن، ومثل الايمان، كمثل الفرس في آخيته (2) يجول، ثم يرجع إلى

(1) الفاسق: هو المرتكب للكبيرة، أو المصر على الصغيرة.
(2) " الاخية " عروة أو عود يغرز في الحائط لربط الدواب، يعني العبد يبعد يترك أعمال الايمان ثم يعود إلى الايمان الثابت نادما على تركه متداركا ما فاته، كالفرس يبعد عن آخيته ثم يعود إليها.

آخيته. وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الايمان. فأطعموا اطعامكم الاتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين " رواه أحمد، بسند جيد، وحسنه السيوطي.
وقال ابن تيمية: فمن لا يصلي من أهل الحاجات، لا يعطى شيئا حتى يتوب، ويلتزم أداء الصلاة.
وهذا حق، فإن ترك الصلاة إثم كبير، لا يصح أن يعان مقترفه، حتى يحدث لله توبة.
ويلحق بتارك الصلاة، العابثون، والمستهترون الذين لا يتورعون عن منكر، ولا ينتهون عن غي، والذين فسدت ضمائر هم، وانطمست فطرهم، وتعطلت حاسة الخير فيهم.
فهؤلاء لا يعطون من الزكاة إلا إذا كان العطاء يوجههم الوجهة الصالحة ويعينهم على صلاح أنفسهم، بإيقاظ باعث الخير، واستثارة عاطفة التدين.
نهي المزكي أن يشتري صدقته نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المزكي ان يشتري زكاته حتى لا يرجع فيما تركه لله عزوجل، كما نهى المهاجرين عن ال إلى مكة، بعد أن فارقوها مهاجرين.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أن عمر رضى الله عنه حمل (1) على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه (2) ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك " رواه الشيخان، وأبو داود، والنسائي.
قال النووي: هذا نهي تنزيه، لا تحريك فيكره لمن تصدق بشئ أو أحوجه في زكاته، أو فكفارة نذر، ونحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه.
أو يهبه، أو يتملكه باختياره، فأما إذا ورثه منه فلا كراهة فيه.

(1) أي حمل عليه رجلا في سبيل الله. ومعناه أن عمر أعطاه الفرس وملكه إياه، ولذلك صح له بيعه.
(2) يبتاعه: أي يشتريه