باب في معرفة سمت القبلة في جميع الأفق

اعلم أن الجهات أربع : جهة المشرق ، وجهة المغرب ، وجهة الشّمال ، وجهة الجنوب.

فجهة المشرق هي التي تطلع منها (١) الشمس في جميع أيام السنة. وهي من مشرق الشمس الأعلى ، وهي أقصى مطالعها الصيفية ، إلى مشرق الشمس الأسفل ، وهو أقصى مطالعها الشّتوية. وأوسط هذه الجهة يسمّى مشرق الاستواء ، وهو مطلع الشمس في زمن الاعتدال ، ويسمّى نقطة المشرق.

وجهة المغرب مقابلة لجهة المشرق. وهي من مغرب الشمس الأعلى ، (وهو أقصى مغاربها الصيفية ، إلى مغرب الشمس الأسفل) ، وهو أقصى مغاربها الشّتويّة. وأوسط هذه الجهة يسمّى مغرب الاستواء ، ويسمّى أيضا نقطة المغرب.

وجهة الشّمال عن يسارة مستقبل المشرق. وهي من مطلع الشمس الأعلى إلى مغربها الأعلى. وأوسط هذه الجهة يسمّى نقطة الشّمال ، وهو موضع القطب الأعلى الذي يدور عليه بنات نعش الصغرى. وأقرب كواكبها إليه الجدي.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : بها.

 

وجهة الجنوب مقابلة لجهة الشمال ، وهي (من) مطلع الشمس الأسفل إلى مغربها الأسفل. وأوسط هذه الجهة يسمّى (١) نقطة الجنوب ، وهو موضع القطب الأسفل. وليس يرى هذا القطب في أقاليمنا هذه ، ولكنه في مقابلة القطب الأعلى وموازيه.

وآفاق الأرض محيطة بمكة ، شرّفها الله تعالى ، من جميع هذه الجهات. فمنها المشرّق عنها ، ومنها المغرّب ، ومنها المحاذي لها من جهة الشّمال ، ومنها المحاذي لها من جهة الجنوب. وجميع ذلك ثمانية آفاق : ثلاثة منها مغرّبة ، وثلاثة مشرّقة ، وواحد من ناحية الشّمال ، وآخر من ناحية الجنوب.

فمن الثلاثة المغرّبة واحد على خط مكّة ، شرّفها الله تعالى ، وهو أوسطها. والآخران مائلان عن خطها ، أحدهما مما يلي الشمال ، والآخر مما يلي الجنوب. وكذلك الآفاق الثلاثة المشرّقة ، أحدها (٢) وهو الأوسط على خط مكّة ، شرّفها الله والآخران مائلان عن خطها ، أحدهما إلى ناحية الشّمال ؛ والآخر إلى ناحية الجنوب.

فأمّا الأفق الغربي المائل عن خط مكّة ، شرّفها الله ، إلى جهة الشّمال فسمت الشمس فيه إلى مطلع الشمس الأسفل وما يقاربه ؛ وذلك تلقاء جدار البيت ، حرسه الله تعالى ، الذي فيه الميزاب. ويستدلّ على القبلة في هذا الأفق بأن يجعل الجدي حذاء المنكب الأيسر ، وقلب العقرب إذا طلع تلقاء الوجه وأمّا في النهار فتجعل الشمس إذا استوت في وسط السماء على طرف الحاجب الأيمن. وفي هذا الأفق من البلدان مدينة الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبيت المقدس ، حرسهما الله تعالى ، ومصر الإسكندريّة وطرابلس الغرب وإفريقيّة والأندلس وصقلّية.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : تسمى ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : أحدهما ، وهو غلط.

 

وأمّا الأفق الغربي الذي هو على خط مكّة شرّفها الله ، فقبلته إلى مشرق الاستواء وما يقاربه تلقاء الرّكن الغربي من البيت. وفي هذا الأفق بلاد الحبشة وما وراءها من بلد السّودان ، وما يوازي ذلك من سائر أرض المغرب (و). في حدود هذا (١) الأفق أسوان التي هي آخر عمل مصر.

وأمّا الأفق الغربيّ المائل عن خط مكّة ، شرّفها الله تعالى ، إلى جهة الجنوب فقبلته إلى مطلع الشمس الأعلى وما يتّصل به ، وذلك تلقاء جدار الكعبة الآخذ من الرّكن الغربيّ إلى الرّكن اليماني. وفي هذا الأفق بلد غانة وما يتّصل به من أرض المغرب. وفيه أيضا بلد النّوبة والحبشة ومغارب أرض اليمن.

وأما الأفق المحاذى لمكّة من جهة الجنوب فالقبلة إلى القطب الشّمالي وما يتصل به تلقاء الرّكن اليماني من البيت وفي هذا الأفق وسط بلاد اليمن.

وأما الأفق الشرقي المائل عن خط مكّة إلى جهة الجنوب فقبلته إلى مغرب الشمس الأعلى وما يتّصل به ، وذلك تلقاء جدار البيت الآخذ من الرّكن اليماني إلى الركن الأسود (٢). وفي هذا الأفق من البلدان مشارق أرض اليمن وبلد الشّحر (٣) وبلد الهند وما وراء من بلدان الصين الجنوبية.

وأمّا الأفق الشرقي الذي على خط مكّة فقبلته إلى مغرب الاستواء وما يقرب منه (٤) تلقا الرّكن الأسود من البيت. ومن بلدان هذا الأفق مدينة الطائف وبلد اليمامة ، وما يتّصل بذلك من جزيرة العرب.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : هذه ، وهو غلط.

(٢) الركن الأسود : أي الركن الذي فيه الحجر الأسود.

(٣) في الأصل المخطوط : السخر : ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : منها ، وهو غلط.

 

وأما الأفق المائل عن خط مكّة إلى جهة الشّمال فقبلته إلى مغرب الشمس الأسفل (١) وما يدانيه ، وذلك تلقاء جدار الكعبة الذي فيه بابها. وفي هذا الأفق مدن العراق ، منها بغداد والبصرة والكوفة ، وفيه أيضا بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان ويستدلّ على القبلة (٢) في هذا الأفق بجعل الجدي حذاء المنكب الأيمن.

وأمّا الأفق المحاذي لمكّة ، شرّفها الله تعالى ، من جهة الشّمال فقبلته إلى القطب الجنوبي وما يقاربه. وفي هذا الأفق بلد قرقيسيا (٣) ونصيبين ورأس العين وما اتّصل بذلك من بلاد الجزيرة.

فهذا بيان سمت القبلة في جميع الآفاق المحيطة بمكّة.

فأمّا قول عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه : «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجّه نحو البيت» (٤) فليس معناه أن ذلك في جميع آفاق الأرض. وإنما يصحّ استعماله في نواحي المدينة ، وسائر الأفق المغرّب عن مكّة المائل عن خطّها إلى جهة الشّمال ، لأن القبلة في هذا الأفق فيما بين مشرق الإسواء ومغرب الشمس الأسفل.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : للأسفل ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : هذه القبلة.

(٣) في الأصل المخطوط : قرقيسا ، وهو تصحيف.

وقرقيسيا : بلد في الجزيرة ، وهي كوره من كور ديار ربيعة (أنظر معجم ما استعجم ١٠٦٦) ، والبلدان.

(٤) يروى هذا القول لعمر وابن عمر أيضا.

روى الترمذي في سننه (٢ / ١٧٤): «وقال ابن عمر : إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة ، إذا استقبلت القبلة». وروى البيهقي في ٢ / ٩ عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب ، قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت» ، وهذا أقرب إلى رواية المؤلف.

وقال ابن لا أثير في النهاية ٣ / ٢٥٤ في شرحه : «أراد به المسافر إذا التبست عليه قبلته. فأما الحاضر فيجب عليه التحري والاجتهاد. وهذا إنما يصح لمن كانت القبلة في جنوبه أو في شماله. ويجوز أن يكون أراد به قبلة أهل المدينة ونواحيها ، فإن الكعبة جنوبها».

 

وقد يصحّ أن يستعمل قول عمر رضي‌الله‌عنه ، في غير هذا الأفق من الأرض ، ويكون التوجه والتحديد مختلفا (١). وذلك أن الأفق الشرقيّ المائل عن خط مكّة إلى جهة الشّمال الذي فيه أرض العراق قبلته فيما بين المشرق الأسفل ومغرب الاستواء ، والأفق الشرقي المائل عن خطّ مكّة إلى جهة الجنوب قبلته فيما بين المشرق الأعلى ومغرب الاستواء ، والأفق الغربيّ المائل عن خطّ مكّة إلى جهة الجنوب قبلته فيما بين مشرق الاستواء ومغرب الشمس الأعلى ، والأفق المحاذي لمكّة من جهة الجنوب قبلته فيما بين مشرق الشمس ومغربها الأعليين ، والأفق المحاذي لمكّة من جهة الشّمال قبلته فيما بين مشرق الشمس ومغربها الأسفلين (٢) ؛ فقد صارت هذه الآفاق الستة يصحّ أن يقال إن قبلتها فيما بين المشرق والمغرب ، ولكن التوجّه مختلف.

ولا يصحّ أن يقال ذلك في الأفقين (٣) الباقيين فاعلم ذلك إن شاء الله.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : مخلفا ، وهو تصحيف

(٢) في الأصل المخطوط : الأعليين ، وهو غلط

(٣) في الأصل المخطوط : إلا في الأفقين ، وورود إلا هاهنا غلط يحيل المعنى. وأنظر أيضا اللسان والتاج (قبل).