باب ذكر مشاهير الكواكب وما داناها (*)

(بنات نعش الصغرى (١))

... ومن البنات كوكبان خفيّان ، وهما اللذان يليان النّعش. والثالث من البنات كوكب كبير أزهر يسمّى الجدي (٢) وبه تعرف القبلة.

ويتّصل ببنات نعش هذه كواكب خفيّة تسمّى فأس القطب. وهي متناسقة (٣) على شكل القوس ، آخذة من الجدي إلى الفرقد المحاذي له.

فإذا أنت تأمّلت بنات نعش الصغرى مع هذه الكواكب التي تسمّى فأس القطب رأيت فيها صورة سمكة ، رأسها الفرقد الأدنى إلى القطب ، وذنبها الجدي الذي تعرف (٤) به القبلة. وهذه صورة ذلك (٥).

__________________

(*) سمى ابن قتيبة هذا الباب بهذا الإسم في كتاب الأنواء (ص ١٤٥) فأخذناه عنه.

(١) بدأ ابن قتيبة في كتاب الأنواء هذا الباب بنجوم بنات نعش الصغرى ونرجح أن يكون المؤلف قد بدأ بها أيضا. ونذكرها هنا ما قاله ابن قتيبة في بنات نعش الصغرى إلى الموضع الذي تتم فيه سياقة هذا الباب. قال : «وبنات نعش الصغرى من الكواكب الشامية. وهي أقرب مشاهير الكواكب إلى القطب. وهي سبعة كواكب ، على شبيه بتأليف بنات نعش الكبرى ، أربعة منها نعش ، وثلاثة بنات. ومن الأربعة الفرقدان ، وهما المتقدمان. والآخران وراءهما خفيان ...».

(٢) ويسمى جدي بنات نعش. وبه تعرف القبلة ، وبه يقع الاستدلال ، لأنه لا يزال. وهذا الجدي ليس الجدي المعروف في البروج. أنظر الأنواء ١٢٢ ، ١٤٦.

(٣) في الأصل المخطوط : متناسبة ، وهو تصحيف. وقد درج المؤلف على استعمال لفظ متناسقة بهذا المعنى في غير مكان من الكتاب.

(٤) في الأصل المخطوط : يعرف.

(٥) لم يمكن إثبات الصورة هاهنا وسنعمل على إلحاقها في آخر الكتاب.

 

وقد احتوت هذه السمكة على القطب ، وهو النقطة المطموسة إلى جانب الجدي. فهي تدور عليه. وليس هو في وسطها كما يتوهّم الناس ، ولكنه عند ذنبها ، قريبا من الجدي. وأقرب كواكب السماء منه الكوكب الذي يلي الجدي من الكواكب الخفيّة التي تسمى فأس القطب. وليس القطب بكوكب ، ولا في موضعه كوكب البتة.

(بنات نعش الكبرى)

وهي سبعة كواكب ، على نحو تأليف الصغرى. إلّا أن كواكب الكبرى ظاهرة كلّها. فالأربعة منها التي على شكل التربيع هي التي تسمّى نعشا. والثلاثة بناته.

وحذاء الأوسط من البنات نجم صغير جدا ، يكاد يلتقي به ، يسمّى السّها. وبه يضرب المثل في الخفاء فيقال : «أريها السّها وتريني القمر» (١). والناس يمتحنون أبصارهم به ، فمن ضعف بصره لم يره. ويروى أنّ أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا يفعلون ذلك. والمنجمون يسمون بنات نعش الكبرى. الدّبّ الأكبر والصغرى الدّب الأصغر.

والكبرى تدور على الصغرى. ولا تغيب (٢) في شيء من البلدان الشمالية وتغيب (٣) في البلدان الجنوبية.

__________________

(١) هذا مثل للعرب يضرب لمن يغالط فيما لا يخفى. أنظر مجمع الأمثال ١ / ٢٩١ والأنواء ١٤٨.

(٢) في الأصل المخطوط : يغيب ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : تصيب ، وهو تصحيف.

 

العوائذ (١)

ويسمّيها (٢) المنجمون رأس التّيس. وهي أربعة كواكب في تربيعها اختلاف. وفي وسطها كوكب سحابي كأنه لخطة غيم يسمّى الرّبع. فشبّهت العرب هذه الكواكب بنوق عوائذ (٣) ، عطفن على ربع والعوائذ : الحديثات النّتاج.

وبين يدي العوائذ كوكب صغير يسمّى الراقص. ويسمّيه المنجمون لسان الحيّة.

والعوائذ ٥ فيما بين النّسر الواقع وبنات نعش.

الفكّة

وخلف السّماك الرامح الفكّة ، وهي كواكب مستديرة فيها كوكب نيّر أنورها ، يسمّى منير الفكّة. وفيها موضع لم يتّصل به الكوكب فصار كالثّلمة فيها ، ولذلك تسمّيها العامة قصعة المساكين. والمنجمون يسمّونها الإكليل الشماليّ.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : العوائد ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : تسميها.

(٣) في الأصل المخطوط : عواذد ، وهو تصحيف.

 

النّسران

وهما النّسر الواقع ، والنّسر الطائر.

فالواقع منهما عن يمينك إذا نظرت إلى العوائذ (١). وهو كوكب كبير أزهر ، خلفه كوكبان أصغر منه يضمّان إليه فتكون الثلاثة كالأثافيّ. ويقال إنّ الكوكبين جناحاه ، وقد ضمّهما ، فلذلك سمي واقعا. وبإزائه مما يلي الجنوب النّسر الطائر. وهو كوكب أنور بين كوكبين أصغر منه ، يقال هما جناحاه وقد بسطهما ، فلذلك سمّي طائرا.

وكلا النّسرين شآم. والواقع منهما يطالع (٢) قلب العقرب والطائر يحاذي سعد الذابح. والمنجمون يسمّون النّسر الطائر العقاب.

الفوارس والرّدف

وخلف النّسر الواقع أربعة كواكب بيض مصطفّة قد قطعت المجرّة عرضا ، يسمّيها (٣) العرب الفوارس ، شبّهتها بأربعة فوارس يتسايرون.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : العوائد ، وهو تصحيف.

(٢) يطالعه : أي يطلع معه (الأنواد ١٥١).

(٣) في الأصل المخطوط : تسميها.

 

وراءها بالقرب منها كوكب أزهر يسمّونه الرّدف ، لأنه يتلو الأربعة كأنه ردف لها. والمنجمون يسمّونه ذنب الدجاجة والفوارس عندهم من صورة الدجاجة أيضا.

الصّليب

وخلف النّسر الطائر الصّليب. وهو أربعة كواكب متقاربة على هيئة الصليب ، ويسمّى القعود أيضا.

الكفّ الخضيب

وفي المجرّة ، بحيال السّمكة المعدودة في المنازل ، من ناحية الشّمال ، خمسة كواكب بيض نيّرة ، أربعة منها مصطفة وواحد فوقها يقال له الكف الخضيب. وهي كفّ الثريّا المتوسطة (١). ويقال لها سنام الناقة ، لأنها في خلقة السّنام. فهي للثّريّا كفّ ، وللناقة سنام.

والناقة على خلقة النجيبة الضامرة ، الدقيقة العنق الصغيرة الرأس. وعنقها كواكب صغار متناسقة ، ابتدأت من السّنام ، ثم هبطت حيال السّمكة ، ثم ارتفعت ارتفاع العنق (٢) ، واتّصل بها الرأس. وهي أربعة كواكب متقاربة. أحدها في وسطها.

__________________

(١) أنظر الأنواء ٣٢ ـ ٣٣.

(٢) وفي الأزمنة ٢ / ٣٧٦ : العنق ، وفي الأنواء ٣٣ : العيوق.

 

وتحت الكفّ الخضيب كواكب كثيرة غير بيّنة الانتظام يقال هي جفرة (١) الناقة ، أي معظم وسطها.

وهناك كوكب سحابيّ كأنه لطخة يسمّى معصم الثّريّا. ومنهم من يجعله وسما في فخذ الناقة.

الكفّ الجذماء

وللثّريّا كفّ أخرى ، عن يمينك إذا نظرت إليها ، يقال لها الجذماء. وهي كفّها اليسرى (٢). وهي كواكب أسفل من الشّرطين. سمّيت جذماء لنقصانها عن الكفّ الخضيب التي هي كفّها اليمين.

وإذا نظرت إلى الثّريّا عند استقبالها رأيت سطرا من كواكب عن يمينها ، قد امتدّت من عندها حتى اتصلت بالكفّ الخضيب ، تسمّى يد الثّريّا المبسوطة. وعن يسارها أيضا كواكب ممدودة من عندها نحو الجنوب امتدادا يسيرا تسمّى يد الثّريّا (المقبوضة).

__________________

(١) في الأصل المخطوط : حفرة ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : السرى ، وهو تصحيف.

 

العيّوق

وراء الكفّ الخضيب كوكب عظيم نيّر (١) في حاشية المجرّة الشمالية يسمّى العيّوق. ويقال له : عيّوق الثّريّا ، لأنه يطلع بطلوع الثّريّا ، ولكنه لا يغيب معها ، بل تغيب الثّريّا ، ويبقى مرتفعا عن الأفق ارتفاعا كثيرا.

وتحت العيّوق كوكب يقال له العنز.

وبالقرب منه كوكبان متقاربان يسمّيان الخذنين.

وراء العيّوق ثلاثة كواكب زهر منفرجة قد قطعت المجرّة عرضا. فالمجرّة سالكة فيها الكوكبين الجنوبيّين (٢) منها (٣) وتسمّى توابع العيّوق ، ويقال لها الأعلام (٤).

العذرة

ومن اليمانية (٥) العذرة. وهي خمسة كواكب بيض أسفل من الشّعرى العبور ، في الحاشية الغربية (٦) من المجرّة ، يسمّيها (٧) العرب عذرة الجوزاء. وقد سمّوها العذارى أيضا.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : بين ، وهو تصحيف ، والتصويب من الأزمنة ٢ / ٣٧٧

(٢) في الأصل المخطوط : الجونبين.

(٣) في الأصل المخطوط : منهما ، وهو غلط.

(٤) وإلى هنا ينتهي تعداد مشاهير النجوم الشامية ، أي الشمالية الواقعة في نصف الكرة الشمالي. وبعد ذلك يبدأ المؤلف بالنجوم اليمانية ، وهي الجنوبية الواقعة في نصف الكرة الجنوبي.

(٥) في الأصل المخطوط : الثمانية : وهو تصحيف.

(٦) في الأصل المخطوط : في الخامسة القريبة ، وهما تصحيف.

(٧) في الأصل المخطوط : تسميها.

 

الكوكب الفرد

وتحت الجبهة مما يلي الجنوب كواكب قد تناسقت على تعريج ، حتّى قربت من عرش (١) السّماك.

وفيها كوكب هو أضوؤها يسمّيه (٢) المنجمون عنق الجبهة ويسمّيه (٢) العرب الفرد. وإيّاه عنى الشاعر بقوله :

وقد مالت الجوزاد بالكوكب الفرد (٣).

عرش السّماك

ويقال له عجز الأسد. ويسمّي الخباء أيضا. وهو أربعة كواكب مرتفعة بين يدي السّماك الأعزل ، متحدّرة عنه في الجنوب. وربما عدل القمر عن السّماك فنزل مما يليها.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : عرس ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : يسميه.

(٢) في الأصل المخطوط : يسميه.

(٣) الشطر لأبي الهندي عبد المؤمن بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي الرياحي ، وهو شاعر إسلامي أدرك العباسية ، (الشعراء ٦٦٣ ـ ٦٦٤ ، والأغاني ٢١ / ١٧٧ ـ ١٨٠ ، واللآلي ١٦٨ ، ٢٠٨).

والشطر في الأنواء ٥٧ ، والأزمنة ٢ / ٣٨٠.

 

الخيل

وبين يدي الشّولة ، فوق المجرّة كواكب نيّرة ، أكثر من العشرة ، وتسمّى الخيل. وفيها ستّة كواكب متفرقة في ثلاثة أمكنة ، في كل مكان منها كوكبان متقاربان.

وفيها بين كواكب الخيل كواكب صغار تسمّى أفلاء الخيل.

الشّماريخ

وهي كواكب كثيرة نيّرة مجتمعة. سمّيت شماريخ لاجتماعها واختلاط بعضها ، كأنها شماريخ كباسة. وهي أسفل من عرش (١) السّماك ، وبين الزّبانيين (٢).

سهيل

وبحيال العذرة إذا كانت في وسط السماء سهيل اليماني. وهو كوكب عظيم أحمر ، تراها زبدا كأنه يضطرب ، لقربه من الأفق. وهو يطلع من أفق الجنوب ، ويجري شيئا شيئا ، ثم يغيب قريبا من مطلعه. وهو يرى باليمن والحجاز ، وبالعراق ومصر ،

__________________

(١) في الأصل المخطوط : عرس ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : الزبايين ، وهو تصحيف.

 

وبعض بلدان المغرب ؛ ولا يرى بالأندلس ، ولا بخراسان ، ولا في شيء من إرمينية. وليس في كل السّنة يكون مرئيا في البلدان التي يرى فيها. وأول أوقات رويته في آخر القيظ ، يرى طالعا مع طلوع الفجر. ثم لا يزال طلوعه يتقدّم على طلوع الفجر إلى أن يرى طالعا في أول الليل. وذلك في أيام سقوط النّثرة. أو قريبا من ذلك. ثم لا يزال يرى بالعشاء إلى أن ينصرم الشتاء ، وينوء السّماك الأعزل ، فيستتر حينئذ ، أي يغيب ، فلا يرى حتى يبدو طالعا مع الفجر في مثل الوقت الذي طلع فيه من السّنة الماضية.

وتحت سهيل كوكبان يقال لهما قدما سهيل.

والمحنث : كونب يطلع قبل سهيل. وهو شبيه به ، فيظنّ من يراه أنه سهيل ، ويحلف على ذلك. فإذا طلع سهيل تبيّن أنه غيره فيحنث.

السّعود

والسّعود عشرة أربعة منها تعدّ في المنازل ، وقد ذكرناها والستة الباقية غير معدودة في المنازل ، وهي :

سعد ناشرة ، وسعد الملك ، وسعد البهام (١) ، وسعد الهمام ، وسعد البارع (٢) ، وسعد مطر (٣) ، وهي متناسقة في جهة الدّلو. وكلّ سعد منها (٤) كوكبان ، بينهما كنحو ما بين سعود المنازل وكواكبها خفيّة غير نيّرة.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الهان ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : البازغ ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : سعد المطر ، وأغلب الظن أنه غلط لأن المشهور بغير ألف ولام.

(٤) في الأصل المخطوط : منهما ، وهو غلط.

 

فأوّلها سعد ناشرة ، وهي أسفل من سعد الأخبية. وهو يطلع مع طلوع الشّرطين ، وعلى أثره سعد الملك ، ثم سعد البهام (وتحته كواكب صغار مستديرة ، تسمّى الرّبق. والرّبق) حبل يمدّ بين وتدين (١) ، فيه عرى تدخل في أعناق البهم (٢). وعلى أثره سعد الهمام ، وهو بين يدي الكوكب الجنوبي من الفرغ (٣) الأول ثم سعد البارع (٤) ، وسعد مطر ، وهما بين منكب الفرس ، وهو الكوكب الشّمالي من الفرغ الأوّل. والذي يلي الجنوب منهما هو سعد البارع (٥).

السّفينة

وهي كواكب خفّية متتابعة ، تشبه السفينة. ومقدّمها عند سعد البهام ، ومؤخّرها عند السّمكة.

__________________

(١) الزيادة من الأنواء ٨١ ، والأزمنة ٢ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٢) البهم : أولاد الضأن ، واحدها بهمة.

(٣) في الأصل المخطوط هنا وفيما يلي : الفرع ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط هنا وفيما يلي : البازغ ، وهو تصحيف.

(٥) أنظر لنجوم السعود ، الأنواء ٨١ ، والأزمنة ٢ / ٣٨٣ ـ ٣٨٣ ، واللسان (سعد)