المنظمات غير الربحية.. كيف تتجاوز آثار الجائحة؟

جريدة الرياض
05-06-2020

تعصف أزمة انتشار جائحة «كورونا» بالعالم ومنطقة الشرق الأوسط، مهددة مجتمعات واقتصادات، فهل ما نراه ونشاهده الآن يعتبر حالة استثنائية لم يسبق لها وجود ولم يتنبأ أَحَد بعمقها؟ وهل كانت المنظمات الخيرية - غير الربحية -NG0S مستعدة لذلك..؟!

وفق نمطية العمل المتشابه في مجال المنظمات غير الربحية لا توجد إدارات متخصصة لإدارة المخاطر تستشرف الأزمات وتتبنى التكيّف مع التقلبات وتصنع منها الفرص، ما عدا قلة قليلة، وبشكل أكبر لدى بعض المنظمات ذات الطابع الدولي حتى تلك المنظمات تتناولها في نطاق الجانب القانوني للتعاقدات، ما يجعلها أيضًا تتشارك في المشكلة الأساسية نفسها القائمة بالاعتماد على انتظار تدفق التبرعات والنظر الدائم لاستقرار المستوى الاقتصادي العام.

في تصوري؛ لقد حان الوقت لأن تعمل هذه المنظمات وفق المنظور التجاري البحت، حتى تستطيع أن تقاوم عوامل التعرية الاقتصادية، وتؤسس لأعمالها وخدماتها كمزيج تسويقي مدروس التكلفة، ويتطور وفقًا لدراسات السوق الواقعية من حيث العرض والطلب وإشباع رغبات المانحين ليكسبها مناعة تتجاوز بها التعثر والجمود ويسهم في استدامتها.

فالسرعة من خصائص التجارة، وعامل الوقت مهم جدًا، ومن هذا المفهوم ينبغي للمنظمات غير الربحية أن تكون متحفزة، وتراجع خططها في كل حين، وتبحث عن مكامن القوة والضعف، ولتدرك أن سوق خدمات التبرع يتأثر كما تتأثر الشركات بدخول منافسين جدد، يأخذ كل منه جزءًا من الحصة السوقية، ويؤثر في الآخر بشكل مباشر وغير مباشر، وها نحن نرى كيف تسعى الكيانات التجارية الكبرى للسيطرة على الصغرى بالتملك والاندماج أو بالاستحواذ من أجل الحفاظ على البقاء وضمان الاستمرار وتحقيق الأرباح.

على المنظمات غير الربحية أن تتسابق نحو التنّوع والتجديد والاستثمار في التحول الرقمي لتواكب التطور الحاصل في التكنولوجيا؛ وذلك لأن التكنولوجيا غيرت من طريقة تفكير وسلوك المانحين، فالنمط التقليدي المتّبع غير مجدٍ، وأصبح مكلفًا، ولا يحقق مواكبة التحوّل السريع للأسواق، وأمام هذه المنظمات كثير من التحديات، فاستصناع الأفكار سيكون سمة النجاح والسبق للوصول لبيئة عمل منتجة مستقرة، تسهم في تحسين جودة الحياة، فالقطاع غير الربحي يتوافق في أساليبه مع البيئة الاقتصادية، ويستفيد من الفرص ذاتها التي تطرح من حين لآخر.. ولو سعت هذه المنظمات بالتنقيب في أي من هذه الفرص لوجدت فيها قيمة مضافة، وكانت في أحسن حال. على سبيل المثال، أطلقت وزارة الموارد البشرية مؤخرًا مبادرة (عقد العمل المرن)، ما سيساعد على ترشيد مصروفات المنظمة، ويعفيها من التزامات وأعباء ثقيلة، وغيرها كثير، وعلى تلك المنظمات التي تتملك الأصول المبادرة باستثمارها، وتجعلها مدرة طويلة الأجل مستدامة للأجيال القادمة، وإلا ستكون عبئًا إضافيًا يرهق إدارة الممتلكات بحبسها ودون العطاء المأمول.

لذلك ولكل ما سبق، تحتاج هذه المنظمات أن تصنع فكرًا جديدًا يرتكز على الثقة والقرب من المجتمع في كل مناسبة، لتؤسس حواضن اجتماعية تساعدها على الديمومة والاستمرار، فسوق الأمس ليس كسوق اليوم!! ومن يتأخر عن ركب الإبداع فعليه أن يستقبل الصدمات، التي ستعيقه بلا شك عن الهدف وإيصال رسالته النبيلة.

ختامًا.. على هذه المنظمات غير الربحية وضع خطة استراتيجية تساعدها على الصمود في وجه الأزمات الاقتصادية الضاربة وتحقيق الدخل الثابت، وتسعى إلى أن تكون دائمًا قادرة على الحفاظ على منهجيتها الاستراتيجية خلال فترات الانكماش الاقتصادي، وتجاوز الظروف الاقتصادية الراهنة بنجاح يعني تكريس الذات لفهم الأزمة الاقتصادية بأدق تفاصيلها، وتحديد أعضاء مجلس الإدارة وغيرهم من الإداريين القادرين على تزويدها بتحليل عميق للأزمة، والتصرف وفق هذه التحاليل مع اعتبار الخسائر والأرباح الفعلية.

إن ما تقوم به هذه الجمعيات الخيرية أمر نبيل وأجرٌ عظيم، والمرجو أن يُمكّن لها على جميع الأصعدة لتتجاوز العقبات، وحتى تكون رقمًا لا يستهان به في التنمية وتحقيق رؤية المملكة المباركة.. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.