خليك في عشك!

جريدة الرياض
02-04-2020

هذا العنوان، بداية لمثل عامي معروف، من الممكن عكسه، أو توظيفه على عدة حالات، يقول هذا المثل "خليك في عشك لا أحد ينشك!" والمعنى، هو إنك إذا مسكت أرضك، أو جلست في بيتك، لن يتغير على أمر، أو أمور تعودتها أي شيء! ونحن الآن في أمسّ الحاجة لمسك الأرض، أو الجلوس في البيت، مع الزوجة والأبناء، أو أمام التلفزيون، أو مع صحيفة أو كتاب؛ ففي ذلك عديد من الفوائد، منها عدم التسبب في أخذ الأضرار أو نقلها، وعدم المساهمة في تفشي المرض، الذي يتسلل إلى الأجساد في سرعة فائقة، عبر العديد من الطرق: لمس جسم، رذاذ، حوار، تجمعات؛ طرق كثيرة ينتشر عبرها دون تداركها، ولا حل لك ولناصحيك، إلا أن تبقى في بيتك، لتتقي الوباء وتداعياته، التي قد لا تبقي ولا تذر! كافة الدول تفعل ذلك راضية، أو مكرهة، فلا بديل، ولا مساومة، على الصحة والعافية والراحة، من العلل والأمراض، التي بدأت تنتشر، وتعبر إلى كافة الدول والقارات، عبر الأفراد، والبواخر، والطائرات، والتجمعات؛ وكل مصاب يفرز مصابين، وكل مصابين يفرزون مصابين، وهكذا تتمدد الدوائر الجهنمية، باثة الرعب والهلع في الدول وسكانها، والسبب فيروس غامض شرس، ليس أمامه كبير، فكل الأجساد، والأرواح، والملل والنحل، عنده واحدة، يأخذ في طريقه كل من يفتح له الباب، ومن يفتح له الباب، إذا كان علم ولم يأخذ بما علم، فهو ذلك المستهتر بصحته وصحة أهله، وأمن وأمان بلاده.

هذا فيروس نسيج وحده حتى الآن، فهو الوحيد الذي استطاع في سرعة فائقة، التسبب في إغلاق دور العبادة، وتحويل الفنادق ودور العلم، إلى دور لحجز ومعالجة المصابين، بدلاً من أن تبقى على دورها التقليدي، مستقبلة لطالبي المعرفة، وراحة البال والبدن. هو الوحيد الذي دفع العسكر، في عديد من الدول، لاقتحام المنازل، من أجل إخراج من يعتقدون أنهم مصابون، بالقوة القهرية، وهو الوحيد الذي ألجأ الدول إلى إقفال الطرق، والأجواء، والمصالح العامة، والخاصة، هو الوحيد الذي جعل الآباء والأمهات، يعطون أبناءهم رخصة عن لقياهم، والجلوس والأكل والحديث معهم، هو الوحيد الذي أغلق المصانع، والمدارس، والجامعات، وجعل المراكز العلمية، والمستشفيات، والمنظفات، والمضادات، مجندة بدرجة عالية وصارمة، من أجله فقط! هذا فيروس لزج وكريه وماكر، لن تتقيه أو تخفف من درجة قربه منك، أو ممن حولك، إلا إذا لزمت أرضك، أو جلست في عشك، أو بيتك! ففي هذا العش، الذي ربما نكون قد هجرناه قليلاً أو كثيراً، العديد من الأشياء الجميلة، ففيه دفء العائلة، أحاديثها، وأكلها، وشربها؛ فيه صدقها، وعفويتها، وحنانها، وبرها. العديد من الناس، حرمهم الجري المحموم خارج عشهم أو بيتهم، على أشياء قد لا يحتاجون ربعها، آن لهؤلاء أن يضعوا فاصلة لعدة أيام، يذوقون خلالها حلاوة عش افتقدوه، وعادوا إليه، حتى وإن لم تكن هذه العودة، بكامل رضاهم!