التقاعد.. وما أدراك ما التقاعد؟!

جريدة الرياض
27-02-2020

قبل الخوض في ثنايا موضوع اليوم يحسن بي التعريف به بداية حتىّ يكون القارئ العزيز على دراية بصنف حالة التقاعد التي أنا بصدد الحديث عنها، فحالة التقاعد الاختياري تختلف في أصلها عن حالة التقاعد النظامي الإجباري، وإن كان كلا الصنفين يؤديان في نهاية المطاف إلى التوقف عن مزاولة العمل، غير أن هذا الأخير وهو المعني به هاهنا يُعرف على أنه النقطة التي يتوقف فيها الموظف عن القيام بالعمل بقوة النظام، ويُعرف أيضا بأنه المرحلة العمرية التي يكف فيها العامل عن ممارسة نشاطه الذي كلف بأدائه حال وجوده على رأس العمل بتنحيه عنه إلزاماً لبلوغة السن القانوي الذي نصت عليها القوانين والأنظمة. مضمون هذا المقال أعمق وأبعد باعتباره تعريفاً فحسب، فمن واقع معاصرتي ومعايشتي لزملاء المهنة ممن أحيلوا إلى التقاعد أو ممن سوف يحالون إليه في قادم الأيام، آلمني حال البعض مما آلت إليه أوضاعهم النفسية، بعد أن أصيبوا بصدمة نسبية، بيد أنها خانقة تسرب إليهم البؤس واليأس من خلالها لمجرد أن أحيلوا إلى التقاعد، أدركت حينها أن هذه المسألة ليست بالأمر السهل، فحالة الاكتئاب المزمنة والإحباط المبهم الذي لا يوجد له ما يبرره في نظري على الأقل، والذهول المتكرر، وشرود الذهن الدائم، قاطبةُ ذلك كان قاسما مشتركا فيما بين فئة المتقاعدين. شخصيا لم أتوقع هذه المغالاة في التحول كردة فعل مصاحبة لحالة التقاعد، نسبة إلى الظروف المطمئنة والوضع مستقر ذاتياً، لكن يبدو أن أولئك النفر لم يستوعبوا كامل جوانب معنى التقاعد بزواياه وأبعاده المختلفة، فلم يعدوا العدة لمثل هذا اليَوم نفساً، لذلك تفاجؤوا من اكتشاف واقع مر لا يتطابق مع الصورة الذهنية التي رسموها في مخيلتهم لمستقبل واعد، فجزء من ربيع العمر ولى ورحل دون أن يعدوا العتاد لهذا الموقف، وقع على النفس عسير قادني على ضوئه تسطير هذه الرسالة على عجل، وقد تضمنت توجيهات ونصائح صادرة من قلب كاتب المقال، فلعل كلماتها القصيرة الهينة اللينة تداوي الأوجاع وتضمد شيئا من الجراح، لأمثال هؤلاء ممن انغمسوا وتقوقعوا في الوهم، لليائسين البأسين من الحياة أقول هذه الحياة ما هي إلا مراحل ومحطات إذا انتهت مرحلة بادرتها مرحلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وصولك إلى محطة ما لا يعني الاستقرار فيها، فما هي إلا فاصل زمني ومكاني، عد للراحة والتزود بالأمتعة والزاد، واصل السير والمسير لبلوغ مرحلة أخرى واستمتع بعناء الرحلة إن كان ثمة معاناة، وارفع سقف الأحلام والأمنيات، وتذكر دورك الريادي في سابق الأيام. وأخيراً أقول، صارح نفسك بأن حياة الدنيا ليست مستقرا، واعلم أن تغيرا بسيطا في نمط الحياة يمكن أن يغير عالمك ويعيد تشكيل مستقبلك.