احتكار الأزمات

جريدة الرياض
27-02-2020

في هذه الأيام الحامضة، تكاد عديد من الدول العربية تحتكر الأزمات والفوضى، ورديء الكلام، وخارق التصرفات، والتظاهرات في هذه الدول لا تخلو من الحرق والقتل وتعطيل حركة الناس والشوارع، ولا تدري في هكذا حالة من الرعاع ومن الذين يعطلون حركة الناس ويدمرون أعصابهم؛ المتظاهرون أم من يتظاهرون بسببهم أو من أجلهم أو نكاية فيهم، وفيما قدموه أو أنجزوه؟ كل شيء غائم وملتبس، وكل شيء قابل لأي تفسير، وإن كان السؤال الأساسي: لماذا من يتظاهرون يعمدون إلى العنف وتدمير الممتلكات، ولا يقدمون مطالبهم وحاجاتهم وضيقهم مما يقدم لهم بطريقة سلمية كما يحدث في الدول المتحضرة؟ خاصة أن بعض هؤلاء الذين يعمدون إلى العنف لتوصيل أصواتهم أو مطالبهم كانوا حتى سنوات قليلة محرومين من فتح أفواههم، بتذمر أو احتجاج، حتى في بيوتهم، خوفا من أن يقوم أحد أطفالهم بتطيير كلمة في المدرسة أو السوق أو عند الجيران، قد يكون ثمنها قطع ألسنة أفراد العائلة كلها.

نحن وهم نعرف ذلك، فحكم العسكر للعالم العربي علم من لم يتعلم الضبط والربط! هناك تغيير وحراك ومبادرات للسير قدما نحو النمو والتطور، كل ذلك مفهوم ومحمود، لكن ما يضيع كل ذلك بات سهلا في دول فيها أطياف تريد وتسعى لتبقى الأثواب التي فصلتها ولبستها سنوات وسنوات هي السائدة، وهي التي تتبنى كل حراك دون حتى إحساس بالدماء الجديدة التي من حقها أن تقول كلمتها وتضع لبنتها بطريقة حضارية مسؤولة!

العقد الماضي كان من الممكن أن يفرز أسسا وعلاقات وخطوات وأفكارا جديدة، لكن كالعادة دخل البيض الفاسد الميدان وقضى على كل شيء، حتى العقائد والمذاهب والإقليميات والعرقيات تم اللعب بها حتى أصبحت وقودا حرق كل شيء، لتعود العجلة إلى نقطة الصفر. وبدلا من الاستقرار والبناء الجديد الصحي دخلت دول إلى المطحنة ولم تخرج منها، حتى أصبح أهلها يترحمون على أيام الطواغيت، ففي عهدهم كان البلد أو الأرض هادئة السطح، وإن كان ما تحت الأرض يغلي؛ الآن شمل الغليان باطن الأرض وسطحها حتى أصبح الجميع مدار شك وريبة ورعب.

هذه الحال الملتبسة دفعت الدول نهازة الفرص، التي تشبه الفيروسات، للدخول إلى الأجساد المريضة، ليس لإعادتها إلى الجادة، ولكن لجعلها تعيش مرحلة قلق لا يزول إلا إذا سلمت الراية لطبيب، لا تدري هل عنده علاج مرضها أم عنده دمارها، وعلى مهل أكبر بكثير من ذلك المهل الذي كانت عليه صحبة من قاموا عليه!

الدول المتحضرة، تنفذ خططها وتعلم وتخترع، وتضمن سلامة وحرية إنسانها، بينما المواطن العربي - إلا من رحم ربي - على قلق دائم من اليوم والغد، وكأن كافة الرياح تحته.. رياح تهدأ قليلا وتعصف كثيرا، ما السبب؟ تفشي الأمية، أزمة ثقة، طبيعة متحكمة، تشاؤم من التغيير والتجديد والتجارب الجديدة.. للأسف هي كل ذلك!.