لا تندم في الثانية 16

جريدة الرياض
27-02-2020

في مراحل دراستي في التعليم العام كنت مهووساً جداً بتحقيق الترتيب الأول في الدرجات مهما كلف الثمن على مستوى المدرسة والمنطقة. وفي المرحلة الثانوية وبمنحة دراسية سعدت بتجربة الدراسة في مدارس دار الفكر التي كانت تجربة مميزة غيرت كثيراً في مسار حياتي. المهم هنا أن المدراس كانت تعتمد نظام الدوام الطويل من الساعة السادسة صباحاً إلى الرابعة عصراً. وحصل أن دخلت مكتب مدير المدارس الأستاذ عبدالقادر البكري وطلبت منه أن يسمح لي بمغادرة المدرسة الساعة الواحدة والنصف مثل بقية المدارس لأجد وقتاً كافياً للاستذكار ومراجعة الدروس. فأجابني استاذي بقوله: «هذه الساعتان أو الثلاث الإضافية التي تقضيها في المدارس ستكون مع زملائك ومدرسيك من الغرب والعالم العربي. ستختلف معهم في الآراء وستحصل مشاكل وستمضون أوقاتاً جميلة وأنتم تدرسون وتلعبون الرياضة وتتناولون الغداء وكل هذه ستكون في رصيد خبراتك الإنسانية التي ستحتاجها في قادم الأيام ربما أكثر من حاجتك للمعلومات الأكاديمية.. والآن وبعد مرور ما يقارب الربع قرن على ذلك الحديث، استشعر قيمة كل حرف قاله لي مدير المدارس.. واليوم أشارككم هذا النقاش حول سر الثانية 16..

في حفل تخرج أكاديمية كينجز لعام 2019م تحدث السيد كايل مارتينز عن تجربته التي خاضها خلال سنين الدراسة حيث كان هدفه هو التخرج بالمرتبة الأولى مهما كلف الثمن.. وناضل الرجل وكافح منذ دخوله للأكاديمية واستطاع تحقيق هدفه. وفي حفل التخرج تم إعلان اسمه وتقلد الوشاح الفضي الخاص بهذه المرتبة ويصف شعوره أنه وعلى مدة خمس عشرة ثانية كانت السعادة تملؤه ونبضات قلبه تتسارع والأدرينالين يجري في عروقه منتشيا.. ولكن ما إن دخلت الثانية 16 حتى توقف كل شيء وبدأ يتساءل: «هل هذا كل شيء؟». ويعلق أنه أدرك كم كلفه ذلك الإنجاز الكثير على حساب العلاقات مع أصدقائه وزملاء الدراسة. كان يتوقع أن تنتهي مشاكله كلها بمجرد تحقيق مرتبة الشرف الأولى ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل.. والأهم من ذلك أنه كان سعيداً أنه تعلم ذلك الدرس في وقت مبكر وليس في سن الخمسين أو في نهاية العمر.

وأذكر أنني كنت في لقاء مع صديقي من مرحلة الجامعة من رواد الأعمال اليابانيين والذي نجح تجارياً ومالياً، ولكنه دفع الثمن غالياً على حساب صحته وأدرك الزواج متأخراً ولكن لم ينجب أبناء. ولا أدري ما تصوره عن نجاحه في الحياة في ظل نظرية الثانية 16..

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العمل الجاد مهم، والهوايات مهمة ولكن لا يجب أن تكون على حساب علاقاتنا واهتمامنا بأقرب الناس إلينا من الوالدين والزوجة والأبناء والإخوة والأهل والأصدقاء ناهيك عن الصحة النفسية والبدنية لكل منا.

وأختم مجدداً بكلمات السيد كايل مارتينز: «لكي لا تندم في الثانية 16، ليس هنالك ما هو أهم من علاقاتك الصحية، لا علاقاتك ولا نجاحك».