من هو الجوكر؟

جريدة الرياض
21-02-2020

إن شاهدت الجوكر الأخير، أو جوكر خواكين فينيكس، وخرجت كما دخلت صالة العرض، فعليك أن تقرأ ملاحظتي في آخر هذا المقال.

كل مشهد مرّ أمام عيني أثناء العروض الترويجية للفيلم أقسى من أن أتحمله، فتفاديت مشاهدته، حتى صادفني في قائمة الأفلام المعروضة على طائرة في آخر رحلة قمت بها منذ أسبوع. فبدأت بمشاهدته من باب الفضول على اقتناع أني سأتوقف بعد دقائق، فإذ بأداء خواكين فينيكس يأسرني، إلى أن انتهى الفيلم باحتفالية المهرجين المقنعين في الشوارع، في صورة عبقرية تنقل بوضوح ما معنى أن يحتقر مسؤول فقراء رعيته.

وإن أردت أن أختصر الفيلم بعيداً عن سورياليته ورمزيته، فهو قصّة رجل طيب تحوّل إلى شرير لأسباب خارجة عن إرادته، أما الإمعان في أبعاد الفكرة فيحيلنا إلى "الجوكر" الذي يختبئ فينا وصراعنا الدائم معه، فكرة الشر التي تشوه فطرتنا البريئة كلّما تعرّضنا للظلم، بذرة الظلم التي تزرع فينا فتتحوّل إلى شجرة، وقد تصبح غابة في غفلة من زارعيه أنفسهم.

يضعنا الفيلم أيضاً في مواجهة "الوهم" الذي نعيشه مع أنفسنا، حين نفشل في تحقيق ذواتنا لأسباب قاهرة، فنبتكر قصة بديلة لقصتنا، تبرر ما نحن فيه من بؤس، حتى يصبح ذلك الوهم جزءاً لا يتجزأ منا، وهذا لا يوقف زحفه وهو يكتسح أكبر مساحة من أدمغتنا، ممتداً إلى أدمغة من حولنا وأهمهم الأقربون منا، إذ تأكل دائرة الوهم تلك كل أمل لنكون أشخاصاً جيدين، فننتهي مثلما انتهى الجوكر مجرماً سيئاً، تعاطفت معه الطبقات المسحوقة وتبنت عنفه، كونه حاول أن يعيش بطبيعته فلم ينتبه لوجوده أحد، كما عبّر عن ذلك في أحد المقاطع المؤثرة، وهو يصف التهميش الذي عاش فيه قبل اندفاعه بسبب ذعره لممارسة العنف.

فكرة الفيلم هذه المرة لم تعد قصة العدو اللدود لباتمان، بل اتسعت لتشمل الحالة الإنسانية الشاملة التي يعيشها العالم الغارق في العنف بشكل غير مفهوم. وكيف أصبحت عملية إنتاج الشر عملية آلية، تتم دوماً في أرض خصبة لكنها مهملة.

سابقاً وفي أزمان مضت شهدت حروباً كبيرة حصدت ملايين الأرواح، كان القتال مرتبطاً بمفهوم الشرف، وكان الشبان يتطوعون في صفوف الجيش ليحظوا بمراتب الشرف والبطولة، أو ينالوا الشهادة في حلة الموت، أما اليوم، فلم تعد تلك الحيلة تنفع، يخرج الجوكر ما لديه في "نكتته" الأخيرة غير المضحكة، ويصفع بها العالم المقيت الذي اتخذ منه أداة لتحقيق مآربه.

نعم لقد انتهى عرض البطولات السخيفة، أما تلك الأعطاب العقلية –إشارة إلى الضعف البشري في قمة أشكاله– فقد تكون أخطر الأسلحة المدمرة في الزمن القادم.

ملاحظة: يمكن لأي شخص أن يرى الجوكر إذا تأمل نفسه في المرآة طويلا!