الإصلاح وكرة الثلج

جريدة الرياض
21-02-2020

الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المملكة في بداياته؛ إلا أنه بدأ النزول ككرة الثلج من أعلى إلى أسفل ليصل إلى بقية المناطق، والإصلاح عموماً وفي كل مكان يواجهه صعوبات وتحديات، بعكس الفساد الذي ينتشر بسرعة وسهولة..

في كل مرة أزور فيها منطقة من مناطق المملكة المختلفة أجد أثر ما تقوم به القيادة العليا واضحاً وعلى كل مستوى، بدءاً بأمير المنطقة وانتهاء بسائق السيارة الذي يأخذني من المطار وإليه.

زرت قبل أيام منطقة الباحة بدعوة كريمة من محافظ المخواة للمشاركة في نشاط رياضي وبيئي واقتصادى يتمثل في الصعود إلى أعلى جبل شدا الأسفل من خلال طريق استخدم من قبل الأجداد والآباء، وجدت الاهتمام الكبير من قبل المحافظ لتنمية المحافظة والبحث عن فرص جديدة لجلب السياح من داخل المملكة وخارجها، وهو ما انعكس على عدد المشاركين من مختلف مناطق المملكة والذي زاد عن ست مئة مشارك من مختلف الأعمار ومنهم الإعلاميون والمؤثرون في مواقع التواصل.

وقد كان لأمير المنطقة في منح الصلاحيات الكاملة لإنجاز المهمة وتشجيعه ومتابعته الأثر الكبير في النجاح وتضافر جهود كل الجهات المعنية في المنطقة، ومنها إدارة التعليم والغرفة التجارية، وقد اتضح ذلك عند لقائنا أمير المنطقة واهتمامه بأفضل الطرق لجعل هذا المسار وغيره من المسارات عالمياً يرتاده محبو رياضة المشي الجبلي ويقصدونه من مختلف مناطق العالم.

وقد شملت الجولة زيارة كهوف كبيرة حوّل أحد المواطنين أحدها إلى نزل جميل يقصده السياح من مناطق كثيرة من خارج المملكة، وكان آخرها أسرة من المملكة المتحدة، وملحق بالغار حديقة يزرع بها البن الشدوي المعروف بجودته. أما المساء فكان سهرة فنية في قرية عين دار الأثرية ببيوتها القديمة المرممة وعينها الجارية، وما ينسج حولها من حكايات هي جزء من التشويق للسياحة.

وما أعجبني حقاً وجعلني أتفاءل هو ما شهدته من حماس منقطع النظير تمثل في نشاط محافظ المخواة وحماسه، فقد كان يتحدث عن هذه الأماكن، وكأنه يشرح لنا عن بيته الخاص به وما يحويه من غرف ومجالس.

وقد اختتمت الجولة في اليوم الثاني بلقاء سمو أمير المنطقة، وقبله محاضرة لطلبة وطالبات ومعلمي ومعلمات محافظة المخواة عن أهم خطوات النجاح ومنها القراءة والرياضة، وأهمية رسم الأهداف، واحترام البيئة وما بها من عناصر، والتحذير من عادة التدخين القاتلة، وقد تم نقلها آنياً إلى مدارس خارج المحافظة، وكان من أنجح اللقاءات وأكثرها فائدة لما لمسته من تفاعل وجهود بذلتها إدارة التعليم رغم قصر مدة إبلاغهم بموعد المحاضرة.

كل ذلك يقودني إلى أن أتفاءل أكثر من أي وقت مضى بمستقبل مشرق لجميع مناطق المملكة طالما يوجد مسؤولون يعملون بهذه الهمة والإخلاص، كما تبين غنى المملكة في ما تحويه من فرص في مجالات السياحة والترفيه والرياضة والعلاج، لبناء اقتصاد قوي أساسه التنويع واستثمار كل الفرص الممكنة لخلق الوظائف ومنع الهجرة إلى المدن الكبيرة بحثاً عن العمل وما تسببه من تحديات كالزحام والتلوث والأحياء العشوائية، فلا شيء كتنمية المناطق البعيدة عن المدن الكبيرة وجعله الهم المشترك للجميع، وإشراك الجامعات في الأنشطة والدراسات لما تحويه من كفاءات وإمكانات ومن ذلك ما يلي:

أوًلا: السر الكبير لكل نجاح هو حسن اختيار من يجلس على رأس الهرم لكل منطقة ومحافظة، وهؤلاء بدورهم سيحسنون اختيار من يمثلهم في المحافظات، والمحافظون سيبحثون عن أفضل الكفاءات واستبعاد من لا يستطيع أن يواكب تطلعات القيادة برؤيتها الطموحة وبرامجها المتعددة لتحقيق الرؤية وخدمة المواطن، وتقديم ما يستحق من خدمات في مختلف المجالات، مع التركيز على تنمية المنطقة والنهوض بالتعليم والصحة وتوفير المكان والمناخ المناسب لكل نشاط.

ثانياً: الكثير من الأنشطة في تلك المناطق ومنها التجارة يقوم بها وافدون من الصعوبة منافستهم، ولا تزال جهود مكافحة التستر في بداياتها، كما أن المواطن يتحمل جزءاً من المسؤولية بإعطاء اسمه مقابل مبلغ مادي بسيط، وهذا لا يقتصر على التجارة، ولكن في مستوصفات طب الأسنان والصيدليات وغيرها من الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها شباب وشابات المنطقة.

الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المملكة في بداياته؛ إلا أنه بدأ النزول ككرة الثلج من أعلى إلى أسفل ليصل إلى بقية المناطق، والإصلاح عموماً وفي كل مكان يواجهه صعوبات وتحديات، بعكس الفساد الذي ينتشر بسرعة وسهولة، ويكفي أن يكون على رأس المؤسسة شخص فاسد لينخر الفساد كل مكوناتها.

الإصلاحات مستمرة وبدأ يعيشها المواطن الذي يتطلع إلى المزيد منها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولن تتوقف بإذن الله حتى تحتل المملكة مكانها اللائق بين الأمم.