ذاكرة النسيان..!

جريدة الرياض
20-12-2019

"المجاهرة بالنسيان.. حالة متطوّرة من التذكر الموجع..!"

يتساءلون عن النسيان.. من أي ذاكرةٍ يكون، وبأي ذاكرة يجيء، هل النسيان عبارة عن فراغ وجودي يسكننا كهامش مهيأ للحشو بغرض السيطرة على اللحظة وتعويمها داخل مساحة زمنية ومكانية، لكي لا ينفرد بها حدثٌ واحدٌ يوجّه خطواتنا ويأخذها إلى الماضي بينما هي في طريقها إلى المستقبل..!

ربما كان بعض هذا، وربما كان حالة فريدة من القفز على الألم أو الفقد حتى قيل إن كل حدث يبدأ صغيرًا ليكبر.. إلا الشعور بوجهيه "السعيد والشقي" فيبدأ كبيرًا ليصغر.. بفضل ذلك المخبوء فينا والمؤجل مطلقا والمدعو "نسيان".. بالمفهوم المجرد لا يمكن أن نصنفه "نعمة" أم نقمة.. على اعتبار أنه ذبول للحدث أيا كان فالفرح مثلا ليس أكثر من بالونة تنفجر بانتهاء الحفلة أو تبقى لأيام فيتجعّد بها المكان، وتهرب منها اللحظة، إنه لحظة تبدأ دون التفكير في نهايتها، وتنتهي بعد أن تستهلك بدايتها فهل كل هذا الذبول نعمة حينما يديره النسيان، في المقابل ثمة لحظات لا نعرف كيف عبرتنا متماسكين.. لهذا فإن ذبولها نعمة حقيقية يديرها النسيان أيضا، إذا لا بدّ أن يكون للنسيان ذاكرة لننسى.. بل إن النسيان ذاته كذب ذاكرة، إما بمداهمتها بالهوامش لتضييق مساحة الحدث فيها..، أو حتى بمداهنته لما نريد..!

لهذا لا بدّ من القول إن النسيان بكل بلادته أحيانًا، دفعنا دائما للحاجة إلى التاريخ.. التاريخ وحده الذي بإمكانه دائما مقاومة هذه البلادة الشعورية.. مهما أوجعنا أو حتى دفعنا للحسرة على ما نسيناه وما كان ينبغي لنا أن ننساه..!