طلباً للرّحمة

جريدة الرياض
20-12-2019

تبقى المنافسات الرّياضية لحدِّ الآن أشرف المنافسات على الإطلاق، مقارنة مع منافسات أخرى في العالم العربي، ومع هذا إن وُجِدت فرصة للغش فلا بأس أن نمررها، بعض المؤسسات التي تحاول أن تنهض بالحياة الثقافية في بقاعنا الفسيحة، تقف عاجزة أمام كم الفساد المنتشر بين النخبة نفسها، إنّها حالة عربية بامتياز، من الخليج إلى المحيط، وإن اختلفت الأسباب فإن النتائج واحدة.

فإن حضر المال اجتمع الفاسدون من حيث لا ندري وانقضُّوا عليه، وإن حضرت التعيينات لمراكز حساسة خرج الفاشلون من مخابئهم ليتربعوا على الكراسي، فيما عجلة التدمير الذاتي تندفع لهذه الأسباب لتدهس الجميع.

اليوم ونحن نتابع الغضب الشعبي في دول كثيرة، لا يفوتنا كَكُتّاب وأقلام حملت الهم العربي على أكتافها، أن نراجع أنفسنا، ونتأمل المنظومة الثقافية بكل ما أفرزته من عِلَلٍ، نحن نعيش قمّة المعاناة ومع هذا لا نزال نقبع خلف متاريسنا لحماية أدنى ما نملك، وعيوننا وقلوبنا معلّقة على المستقبل المبهم الذي ينتظرنا كمثقفين.

بالطبع ليس "فيسبوك" ولا مواقع التّواصل الاجتماعي التي ستصلح أحوالنا، إذ بعد سنوات من الثرثرة عبرها، أصبح من السهل التعبير عن الذات، لكن الشّتات الذي حلّ بنا بسببها أصبح شبيها بشتات اللاجئين والمهاجرين جرّاء الحروب.

منذ أيام جمعت القائمة الطويلة لجائزة مرموقة أسماء أغلبها معروف في الساحة الأدبية، بمستويات متفاوتة، حتى أن جمعها في قائمة واحدة يثير الكثير من الأسئلة حول المعايير التي اعتمدت عليها لجنة التّحكيم لاختيار هذه الأعمال معاً، وهل ستكون عادلة في عملية الفرز ما قبل الأخيرة، أم أن مفاجآت أكثر سوءاً في انتظارنا.

يجعلنا التّرقب نعود لأعمال سبق وقرأناها منذ صدورها، متسائلين: ما الذي جعلها تقصى خارج المنافسة؟ هل هي الحساسيات الشخصية أم أسباب أخرى متعلّقة بتدخلات خارجية مؤثرة على لجان التحكيم؟

تبقى الأسئلة عالقة دون إجابات صريحة، فالجوائز الأدبية في الغالب، تحتاج لكثير من الحكمة، والدراية والخبرة قبل الالتزام بالمضي فيها، لكنّ بعض الجهات العربية للأسف تمارس أقسى أنواع الدكتاتوريات - عن إدراك أو غير إدراك لا أدري - على لجانها لتمرير رسائل يصعب حقاً فهمها.

منذ سنوات ونحن نتخبّط في المتاهة نفسها، لكنّ الأمر يزداد قتامة، فحين تصدمك الفائزة بالجائزة بتصريح مختصره أن اللجنة وعدتها خيراً وطمأنتها وتوسلتها حتى تشارك، ثم يأتي ما هو أسوأ بعد هذه الفضيحة، فهذا يعني أن الهيئة المنظمة لا تهتم بكمِّ النّقد والانتقاد الذي وُجّه إليها، وبمعنى آخر هي تقول للجميع: "بلطُوا البحر"..! من بين أكثر من مئة وخمسين عملاً تتكرّر أسماء الكتاب كما أسماء ناشريها، وكأننا نعيش زمن قحط عظيم، تأتي معارض الكتب فنكتشف روايات رائعة، فنتساءل لماذا لم ترها تلك اللجان؟.. "رحمتك بالأدب العربي يا رب".