معركة التقدم والبناء

جريدة الرياض
20-12-2019

معركة البناء لا تتضح معالمها بين يوم وليلة، لكنها تطوير مستمر وتعديل في الخطط كلما تطلب الأمر، والمملكة تسير قدماً في هذا الاتجاه، واضعة يدها بيد شعبها الوفي لتحقيق الأحلام الجميلة من أجل حاضر جميل ومستقبل أجمل..

وجود شخص واحد مميز ضمن الأسرة يجعله قدوة لبقية أفرادها يحفزهم للسير على خطاه، فيتبعه أبناؤه أولاً ثم عدد أكبر من الأقارب، وهكذا هو مع الدول؛ فالنمور الآسيوية تأثرت كثيراً بنهضة اليابان، وكلما كانت الدول متقاربة كان التأثير أكبر، ومن ذلك ماليزيا وسنغافورة، وفيتنام والصين وكوريا الجنوبية، وقبل هؤلاء جميعاً تأثرت أوروبا بالنهضة التي انطلقت من بريطانيا لتصل فيما بعد إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وعلى الجانب الآخر تتجاور الدول الأقل نمواً في كل من إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية وتتشابه في أسباب تخلفها.

اليوم تخوض المملكة معركة بناء على جميع الأصعدة لتحقيق رؤية المملكة 2030 وبرامجها المتعددة للوصول إلى أولى محطات طريق النهضة وهو العام 2030 من أجل بناء مجتمع رغيد أساسه دولة حديثة متحضرة تتمتع بالرخاء والأمن والحرية لجميع مواطنيها، وتنعم بالسلم مع جيرانها، وتكون قدوة لغيرها من الدول العربية التي عانت من التخلف والحروب والانقلابات العسكرية التي جلبت الدمار وشوهت الإنسان وكممت الأفواه ونشرت الفساد على جميع المستويات.

معركة المملكة من أجل البناء والتقدم لا تقل عن المعارك الحربية في شراستها، فالتخلف له حراسه وأسبابه ومنه الفساد وممارساته المتأصلة، وهو موجود أينما وجد الإنسان وتوفر المال، ويزداد شراسة مع غياب المراقبة والعقاب، وقد استبشر كل مواطن غيور لما تم أخيراً من إعادة تشكيل الجهات الرقابية وجعل هيئة مكافحة الفساد هيئة رقابة وتحقيق ومباحث إدارية تبحث عن مواطن الفساد أينما وجد وتتعامل معه، ليس في الرشوة فقط ولكن في كل الأمور المالية والإدارية مما سيوفر الكثير من الأموال المهدرة والمشروعات المتعثرة والأوقات غير المستثمرة. أما العائق الثاني أمام التقدم فهو تواضع مخرجات التعليم بجميع مراحله، والتاريخ الحديث يخبرنا أنه لا تقدم إلا بإصلاح التعليم، ولا إصلاح إلا بخطط بعيدة المدى وليس حلولاً مؤقتة أو مرتجلة، مع التركيز على التعلم مدى الحياة لتصبح مخرجاته الممون لما تحتاجه الدولة من قادة وكفاءات تواكب متطلبات المستقبل وتسهم في بناء مواطن صالح وقوي في فكره وبدنه.

معركة البناء بحاجة إلى قادة مخلصين في كل قطاعات الدولة، فالمؤسسة التي على رأسها قائد أو مدير ناجح تصبح ناجحة ومنتجة، وكل مدرسة أو جامعة يقودها قائد مميز هي بلا شك مميزة في أداء معلميها ومخرجاتها، والعكس بالعكس، فكلما غاب الإشراف والقدوة تدنت المعنويات والإنتاجية، لذا لابد من البحث عن القادة بطرق علمية وتأهيلهم وتمكينهم، والبحث عن أسباب عزوف بعضهم عن تولي المناصب القيادية كما هو في بعض المدارس لقلة الحوافز والصلاحيات وحلّ هذه الأسباب.

لدى المملكة فرصة ذهبية للوصول إلى نادي الدول المتقدمة، حيث توفر لديها أهم أسباب نهضة الدول وهي القيادة الحازمة الراغبة في ذلك، فقيادة المملكة تجمع بين الخبرة المتراكمة وقوة الشباب وجَلده وشجاعته في اتخاذ القرار مع القدرة على المتابعة والمحاسبة، كما أن لديها أفضل عوامل النهضة وهو العنصر البشري الشاب والذي يمثل 70 % من سكان المملكة، بعكس الدول المتقدمة التي دخلت مرحلة الشيخوخة السكانية، فالشباب هم عماد النهضة وأساس التقدم والابتكار والتجديد بشرط الإعداد الجيد والتمكين والتشجيع والمؤازرة.

أمام المملكة فرصة عظيمة للبناء على جميع المستويات لتصبح مثالاً يحتذى للدول العربية والإسلامية، بل ولبقية دول العالم، وقد تسلمت قيادة الدول العشرين الأكثر تأثيراً وغنى، وهو ما يعني أن كل ما يهم العالم من تنمية مستدامة ومحافظة على بيئة نظيفة ومكافحة الفقر والجهل والمرض أصبحت من العناصر التي يجب أن تهتم بها المملكة، وبذا تستطيع أن تقود بالقدوة، ولا شيء أبلغ من القدوة، وهذا يعني أن يستمر زخم البناء والإصلاح، وأن تكافح التصحر البيئي والثقافي وتجعل الترفيه مستداماً ويراعي جميع فئات المجتمع، ويكون لمشروعاته الصفة الدائمة التي تستمر فعالياته طوال العام، فيوفر الأجواء المرحة والهواء الصحي والوظائف المجدية، وحتى تصبح مدن المملكة في مقدمة مدن العالم من حيث جودة الحياة والأمن والرخاء.

معركة البناء لا تتضح معالمها بين يوم وليلة، لكنها تطوير مستمر وتعديل في الخطط كلما تطلب الأمر، والمملكة تسير قدماً في هذا الاتجاه واضعة يدها بيد شعبها الوفي لتحقيق الأحلام الجميلة من أجل حاضر جميل ومستقبل أجمل، كما تمد يدها لتصافح كل دول العالم المحبة للسلام والعمل معاً من أجل عالم أكثر أمناً وسلاماً ورخاء.