القيادة الرشيدة.. تحدد المسار وتوجه المسير

جريدة الرياض
24-11-2020

تابعت باهتمام شديد -كعادتي دائماً- لكل ما يتفضل به قائد مسيرتنا المظفرة البطل الهمام، خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ وكذلك ما يتفضل به أخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهدنا القوي بالله الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظهم الله ورعاهم، ومتعهم بالصحة والعافية. أقول، تابعت باهتمام كلمة قائدنا إلى الخيرات الملك سلمان في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في يوم الأربعاء 25/3/1442هـ، الموافق 11/11/2020م؛ التي تزامنت هذا العام مع احتفائنا بالبيعة السادسة لمقامه السامي الكريم.. وهي عادة ملكية كريمة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه؛ إذ يحظى مجلس الشورى عادة في بداية كل دورة جديدة بخطاب ملكي كريم من قائد المسيرة، يكون بمثابة خارطة طريق واضحة المعالم، يوجز فيه المقام السامي الكريم سياسة الدولة الداخلية والخارجية، كما يقدم رؤية جلية، ترشد المجلس في عمله لتعزيز دوره في الرقابة والتشريع والتنظيم والإدارة، كما يلخص مواقف الدولة تجاه أهم القضايا الإقليمية والعالمية. وهو تقليد فريد من نوعه في ممارسة عمل الشورى، عمره قرن من الزمان تقريباً، منذ أيام المؤسس كما أسلفت، حتى عهدنا الزاهر هذا، وسيظل كذلك على الأبد إن شاء الله، نتوارثه جيلاً بعد جيل.

ويعد الخطاب الملكي الكريم هذا في الحقيقة، نبراساً يضيء الطريق، ليس لمجلس الشورى فحسب، بل لكافة الأجهزة الحكومية في الدولة، من تشريعية، تنفيذية وقضائية، ترشد الجميع للسير قدماً لتحقيق توجهات الدولة في الداخل والخارج، ورؤيتها في الحاضر والمستقبل. ويمكن إيجاز أهم مرتكزات السياسة الداخلية في: حفظ الأمن والاستقرار الذي يعد العمود الفقري لأي مجتمع لكي يتفرغ أفراده للعبادة والعمل والإنجاز والإبداع، تنويع مصادر الدخل، تعزيز الإنتاجية وزيادة الإنتاج، حماية الاقتصاد مما يعصف بالعالم من ظروف صعبة وأوبئة وافدة تستنزف موارد الدولة، وحفظ حقوق الأجيال القادمة من خيرات بلادهم.

أما السياسة الخارجية، فترتكز على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وبالمقابل عدم السماح لأي كان بالتدخل في شؤوننا، وتطوير العلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة في ضوء محددات ميثاق الأمم المتحدة، والعمل بجد وحزم مع المجتمع الدولي لتخليص العالم من آفة التطرف والإرهاب، وكل ما من شأنه تعطيل مسيرة الإنسان للعمل والإنتاج والإبداع، وتقديم الخير والمساعدة حيثما كانت هنالك حاجة، دونما تفريق بسبب عقيدة أو عرق أو جنس أو لون، فكل الناس عندنا لآدم، وآدم من تراب.

ولعمري، تلك سياسة راسخة ثابتة، أرساها المؤسس انطلاقاً من دستور بلادنا العزيزة الغالية التي ليس مثلها في الدنيا وطن - كتاب الله العزيز الحكيم الذي لا يأتيه الباطل أبداً، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى - التزم بها كل أبنائه الكرام البررة الذين تولوا قيادة المسيرة المظفرة من بعده، من الملك سعود حتى قائدنا إلى الخيرات اليوم، الملك سلمان، ملك الحزم والعزم والحسم، الذي عزَّز تلك السياسة وزادها رسوخاً وثباتاً، فآتت أكلها في الداخل حياة رغدة طيبة كريمة، وفي الخارج سمعة مدوية تردد صداها في الآفاق حتى عمَّ الدنيا كلها من أقصاها إلى أدناها؛ فعرف العالم السعودية دولة مؤمنة قوية مسؤولة، ويد خير طولى بقيادتها الرشيدة ورجالها المخلصين وشعبها الوفي، فأصبحت قبلة اليوم لزعماء العالم، حتى في الدول التي تسمي نفسها دولاً عظمى، للإسهام بفاعلية في حل مشاكل العالم السياسية والاقتصادية والطبية والبيئية، مثلما هي قبلة للعرب والمسلمين في سائر بقاع الأرض.

فقد أكد ولي أمرنا الهمام الملك سلمان في الخطاب الملكي الكريم أمام مجلس الشورى، مكانة بلادنا السامقة بين دول العالم، مشيراً إلى أنها رسول خير للبشرية، يعنى بمعالجة التحديات السياسية والاقتصادية والصحية التي تواجه العالم، وتهدف لتحقيق الأمن والاستقرار، وإغاثة الملهوفين، ومساعدة المنكوبين حيثما كانوا في هذا العالم الفسيح، التزاماً برسالتها السامية العظيمة.

وبالطبع، لم يكن للخطاب الملكي الكريم، أن يغفل التأكيد على ضرورة التزام الدولة بثوابتها تجاه العرب والمسلمين، ورعاية شؤون الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وخدمة ضيوف الرحمن، ورعاية شؤون المسلمين والأقليات المسلمة حيثما كانت، لاسيَّما قضية فلسطين، والتصدي لآلة الخراب والدمار الإيرانية التي تعيث اليوم فساداً في كثير من بلداننا العربية، وتهدد الأمن والسلم العالميين.

وصحيح، يصعب حصر تلك المضامين الكريمة التي اشتمل عليها الخطاب الملكي الكريم أمام مجلس الشورى، إن لم يكن الأمر يستحيل تماماً، ولهذا أكتفي هنا بإشارة سريعة لأهم ملامحه من ضرورة التمسك بشريعتنا الإسلامية السمحة، منهجاً وعملاً ووسطية، العمل بجد وعزم أكيد لتحقيق رفاهية المواطن من خلال الاهتمام بالتنمية الشاملة، دعم القطاع الخاص وتمكينه، تعزيز النمو الاقتصادي، الاهتمام بالقوات النظامية كافة ورعاية أسر أفرادها، العمل مع الشركاء لاستقرار سياسة النفط وحمايته من تقلب الأسعار والتأكد على الاحترام المتبادل في علاقاتنا مع الآخرين وتحقيق المنافع المشتركة على قدم المساواة.. لقد تعزَّزت مكانتنا اليوم في العالم شرقه وغربه.. دولة قوية يخطب الجميع ودها ويتمنى قربها.

ويبقى تعيين الدكتورة حنان الأحمدي مساعداً لرئيس مجلس الشورى، علامة فارقة في اهتمام الدولة بدور المرأة، وتقديرها لقدراتها وإمكاناتها، وإتاحة الفرصة لها لكي تمارس حقها الطبيعي في الإسهام في نهضة بلادها وخدمة مجتمعها، وكذلك الحال فيما يتعلق بموضوع الشباب.

والحقيقة، في هذا تقدير من ولي أمرنا حفظه الله ورعاه، واهتمام برسالة مجلس الشورى ودوره في تحقيق التنمية الشاملة، انطلاقاً من رؤيتنا (2030) الطموحة الذكية التي هندسها ولي عهدنا الأمين، حفظه الله ورعاه.

على صعيد آخر، لا يفوتني هنا أن استعرض -ولو باقتضاب شديد، لأن المجال لا يتسع لتفاصيل أوفى- بعض ما جاء من مضامين مهمة في تصريح أخي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد القوي بالله الأمين؛ الذي تناولته مختلف وسائل الإعلام في اليوم التالي للخطاب الملكي الكريم أمام مجلس الشورى، الخميس 26/3/1442هـ، الموافق 12/11/2020م؛ على ضوء الخطاب الملكي الكريم في استعراض ما تم من إنجازات مدهشة خلال المرحلة السابقة، بل قل خلال السنوات القليلة الماضية التي لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، إضافة لرسم الخطوط العريضة للتطلعات المستقبلية في دولة الرسالة التي لا تعرف المستحيل والركون إلى الكسل والاستسلام للأوهام.

فقد أكد أخي ولي العهد القوي بالله الأمين، بلغة الأرقام التي لا تترك مجالاً لمشكك أو مضلل أو مخذل، تحقيق بلادنا لإنجازات غير مسبوقة في تاريخها المعاصر في كل المجالات، حتى في ظل ما اعترى المسيرة من تحديات اقتصادية عالمية، خلال فترة وجيزة تعد على أصابع اليد الواحدة. يأتي في مقدمتها المجال الاقتصادي الذي يعد عصب الحياة ولحمة التنمية وسداها؛ إذ أصبحت بلادنا اليوم أحد أكبر اقتصاديات العالم وأهمها، مستصحبة في هذا العمل الجاد ضرورة تنويع مصادر الدخل الذي يعد أمراً مهماً لاستدامة الدولة، وقدرتها على تسيير مشروعات التنمية. وقد شمل هذا تحقيق نمو مضطرد في عائدات صندوق الاستثمارات العامة الذي شرَّفه ولي أمرنا والد الجميع الملك سلمان برئاسته، لثقته التامة في حسن إدارته. إضافة إلى تعزيز دخل السياحة وزيادة إسهاماتها في الدخل القومي، وتسويات مكافحة الفساد الذي وصفه سموه الكريم بـ(السرطان) الذي يستشري كالنار في الهشيم، فيقضي على الأخضر واليابس، مشدداً على عدم تسامح الدولة بعد اليوم مع أي عابث بالمال العام، بصرف النظر عن مكانته الاجتماعية أو ما يشغله من وظيفة، وإصلاح سوق العمل الذي أسهم بشكل فعال في خفض معدلات البطالة؛ بجانب التحول الرقمي، مما جعل بلادنا الدولة الأولى في سرعات الجيل الخامس، وضمن قائمة العشر دول الأوائل على مستوى العالم في سرعة الإنترنت المتنقل.

من جهة أخرى، أشار سموه الكريم في تصريحه الضافي هذا، إلى النجاح الفريد الذي حققته الدولة في التعامل مع جائحة كورونا، وما ترتب عليها من مشاكل اقتصادية معقدة، جعل بلادنا إحدى أهم عشر دول وأنجحها في التعامل مع التبعات الاقتصادية التي خلفتها تلك الجائحة الخطيرة التي نسأل الله العلي الكريم أن يصرفها عن بلادنا وعن سائر بلاد العرب والمسلمين والعالمين أجمعين.

وقد انعكس ذلك كله إيجاباً على تحسين دخل المواطن وقدرته على تملك السكن المناسب، وازدهار الحركة الثقافية والرياضة والفعاليات الترفيهية التي شكلت عامل جذب مهم للسائح المحلي والخليجي، بل بعض السياح الغربيين المولعين بالتراث والتنوع الثقافي واستكشاف الأماكن الأثرية. كما تطرق سموه الكريم لاهتمام الدولة بالمحميات الطبيعية وما حققته من نجاح استثنائي في زيادة أعدادها خلال هذه المدة الوجيزة، وجهود الدولة الحثيثة من أجل محاربة الجفاف والتصحر عن طريق زيادة رقعة الغطاء النباتي، بجانب اهتمام الدولة بدور الشباب والمرأة التي تعيش في هذا العهد المشرق، مرحلة تمكين غير مسبوقة.

وبالطبع، لم يكن لرجل مثل سموه الكريم أن يغفل مخاطبة الرأي العام العالمي في مثل تلك المناسبة المهمة، إذ أكد على موقف بلاده الثابت الراسخ فيما يتعلق بازدراء الأديان والإساءة للرموز الدينية والوطنية بحجة حرية التعبير، محذراً الجميع من أن مثل هذه الممارسات المقيتة، تعد وقوداً خطيراً لإيجاد بيئة خصبة للتطرف والإرهاب. كما أكد سموه الكريم أيضاً رفض بلاده التام للربط بين الإسلام والإرهاب، وضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب والتطرف وخطاب الكراهية والعنصرية البغيض.

مشيراً إلى أن هذا النجاح الباهر يتحقق بتوفيق الله سبحانه وتعالى، ثم بخطى ثابتة وسياسات مدروسة، ودعم سخي غير محدود من قائد مسيرتنا الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لمشروعات التنمية في البلاد، وإخلاص الرجال والنساء الأوفياء الصادقين، الذين اختارتهم القيادة الرشيدة للاضطلاع بهذا الواجب العظيم في خدمة البلاد والعباد.. ترفد هذا كله عزيمة شعب ثابتة راسخة كثبات جبل طويق ورسوخه في ضوء رؤيتنا الذكية الطموحة التي هندسها ولي عهدنا القوي بالله الأمين، وآتت كثير من بنودها أكلها رطباً جنياً حتى قبل المدة التي تم تحديدها، لاسيَّما فيما يتعلق بموضوع الإسكان الذي كان يشكل هاجساً ظل يشغل ذهن شريحة واسعة من المواطنين لعقود، ليتجاوز هذا العام المعدل الطبيعي الذي يعد مقبولاً عالمياً.

فالحمد لله رب العالمين الذي تفضل علينا بقيادة واعية رشيدة مخلصة، أوقفت حياتها كلها لتحقيق خيرنا ورفاهيتنا وعزتنا وحفظ كرامتنا، وحماية استقلال بلادنا وسيادتها، فأصبحنا نباهي بها الأمم؛ مثلما وهبنا وطناً عزيزاً غالياً ليس مثله في الدنيا وطن. كما وصف ذلك أخي الشاعر عيسى بن علي جرابا في رائعته (وطن لا ينطفئ) التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي في 28/3/1442هـ، الموافق 14/11/2020م، إذ يقول فيها:

وطن تألق باكتمال ضيائه

ما في الوجود كأرضه وسمائه

الله أكرمه فأصبح للورى

قبساً يمد يديه ملء عطائه

هل كان للأكوان يوماً أن ترى

درب الهدى لولا عيون ضيائه؟

وطن له غنى فؤادي عاشقاً

والعشق كم أوحى له بغنائه

يسمو بحكمة قادة عاشوا له

هم صبح بهجته وتاج ولائه

وطن به فاخرت حتى خلتني

وحدي، إبائي من عظيم إبائه