القيادات الشابة وإدارة الجامعات

جريدة الرياض
11-11-2020

الجامعة منارات للوعي، ومشاعلُ للفِكر، فهي بيوت خبرة موثوقة في أي مجتمع، تُسهم في قيادة الأمَّة، وبناءِ حاضِرها؛ وتخطيط مُستقبلها وفق رؤى علميّة سليمة، تعظِّم الأدوار الريادية للجامعة بما لا يتعارض مع الرؤى والسياسات الوطنية.

تقف على رأس جامعاتنا كوادِرُ محنَّكة، أدارت بكفاءة واقتدار دِفَّة العمل البحثي والتدريسي والمجتمعي بها، وعبَرَتْ بجامعاتنا إلى مصافِّ الريادة والمنافسة إقليميًا ودوليًا، فتصدَّرت جامعاتنا التصانيف العالمية، واحتلت مراتب متقدّمة بها.

وققد بذلَتِ القيادات الجامعية ما استطاعتْ من طاقةٍ، وسَعتْ ما وَسعها الجهد، وتحمَّلتْ أعباءَ كثيرة، في ظلّ تحدياتٍ عالمية ثقافية ومجتمعيّة، بل وصحيَّة وتقنيّة تتزايد يومًا بعد يومٍ.

وفي ظلّ تلك التحديات، والطاقات الكبيرة التي بذلتها القيادات الكبيرة علمًا وخبرةً ومقامًا بالجامعات، نجد أنّ ثمّة حاجة لتعزيز الاستعانة بصفوف من القيادات الجامعية الشابّة في مواقع المسؤولية؛ فالشباب يتّقدون بحماس متجدِّد، وفِكرٍ وقَّادٍ، وقدرةٍ على التكيُّف السريع مع المستجدات والتعامل الواعي معها؛ خاصةً في الجوانب التقنيّة والإدارية الحديثة، لذلك فالقياداتِ الجامعية الشابَّة تحتاج تعزيزًا وتحفيزًا بدفعهم إلى مواقع الصدارةِ، وهُم لا شكّ قادرونَ بإرادتهم وعزيمتهم على استكمال مسيرة التحدِّي.

وإذا نظرنا إلى الدُّول الشقيقة في محيط مجتمعنا الخليجي العربي، سنجد شبابًا في الثلاثين، ودون الأربعين في مواقع رياديّة، تسنّموا حقائب وزارية مهمّة، وتولَّوا إدارة مؤسسات مرموقة، فكانت النتائج مبهرة والإنجازات رائعة.

وأنا هنا لا أدعو للاستغناء عن خبراتِ قيادتنا الجامعية العظيمة، لكنني في الوقت ذاته أدعو إلى ضخّ مزيد من الدماء الشابة المتجددة في عروق مؤسساتنا الجامعيّة، وإلى ترقيةِ صفوفٍ من القيادات الشابّة لتولِّي المسؤولية وخَوْضِ التجربة وقراءة النتائج المبشِّرة بإذن الله؛ فمجتمعنا السعودي مجتمع يشكِّلُ الشباب عنصر قوّتهِ ونهوضه، فافتحوا له مزيدًا من الأبواب، ولا شكّ أن أفواج الابتعاث في الأعوام الماضية قد أفرزت لنا عقولا نابضة، تتمتع برؤية أوسع، وخبراتٍ أكثر تنوُّعًا، اكتسبوها من تجاربهم الدراسية والتدريبية بدول العالم المتقدِّم في التخصصات الحديثة والنادرة.

تلك همسةٌ في أذن قيادات التعليم العالي: الشباب.. الشباب! ادفعوا بهم لمواقع المسؤولية غير هيّابينَ، وستجدون ما يثلج صدر أمّتنا ومجتمعنا. الشباب كنزٌ فاستثمروه. الشباب شعلة نشاط، هم عزيمة وإصرار على التحدي. لديهم قدرات، يستشرفون بها المستقبل برؤية ووعي، وفُتّوةٍ وإقدام، ويستطيعون الاستفادة من خبرات الروّاد وتوظيفها لخدمة جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية والبحثية.

ولما كان (مشروع نظام الجامعات) يعالجُ كثيرًا من مشاكل البيروقراطية ومركزية القرارِ التي قد تعرقِلُ سير الخططِ والبرامج، ويمنح الجامعات مرونة في تحديد الاحتياجات المجتمعية والبيئية، وسوق العمل، حتى تتواكب العملية التعليمية مع الواقع، وتحقِّق الفائدة للمجتمع، وتدفع الجامعات للمنافسة والتميُّز؛ فإن الحضور الفاعل للشباب في المواقع القيادية يُسهم في تحقيق تلك الغاية، فتبلغ جامعتنا بالعقول الشابَّةِ آفاقًا أرحب، وانطلاقاتٍ أسرع، ومنجزاتٍ أكبر... فنظرةً إلى الشباب.