التنمية الإلكترونية والاقتصاد المعرفي

جريدة الرياض
13-08-2020

يعتبر تأثير الاقتصاد المعرفي على التنمية الإلكترونية وعلاقتها بالخدمات العامة التي تقدمها الإدارات الحكومية ذات تأثيرٍ بالغ خاصةً عندما يتعلق الأمر بأحد أهم أوجه التنمية الإلكترونية في القطاع الحكومي وهي الحكومة الإلكترونية، حيث يلعب الاقتصاد المعرفي دور الموجّه والمسيّر لمسارات تلك التنمية، ويمثل أداةً فعّالة في دعم التصورات والرؤى التنموية، وتوجيه دفة القرار الحكومي الرشيد وفق منهجيات تستند إلى سياسات إدارية خاضعة لمفاهيم متغيّرة ومتطوّرة تسير متوازيةً مع طبيعة المعارف الحديثة، والتي أصبح تطورها غير منحصر في مساحات زمنية متباعدة، ولهذا فإن التنمية الإلكترونية بمفهومها الشامل تصبح وفق هذه المعطيات الطارئة على المعرفة مخرجات لا يمكن اعتبارها تراكمية فقط، ولكنها باتت ابتكارية ومتجددة، وتتعرض لتحديثات شبه يومية، لا يمكن في ظل مسيرة التحديث القفز على المدخلات المتنامية في نماذجها لأن من شأن ذلك أن يعرقل قاطرة التنمية تلك ويتسبب بوقوع مستويات أداء أقل من تلك التي تصل إليها بلدان أخرى.

وفي إطار علاقة الاقتصاد المعرفي بمخرجات التنمية الإلكترونية وتنميتها، من المهم الإشارة إلى أن الكوادر البشرية العاملة على تطوير الأدوات التقنية المهمة لخدمة أهداف ومشاريع وسياسات الحكومة الإدارية، هي كوادر تحتاج إلى اكتساب معارف تتعدى مجرد تلك التي تنحصر في الإطار التقني، فعلى سبيل المثال، لا يمكن تطوير خدمات إلكترونية موجهة للجمهور وحصراً جمهور المواطنين، من دون أن تكون الكوادر المهنية العاملة على ذلك التطوير صاحبة فهم ورؤية ومعرفة حول طبيعة المجتمع، وحاجاته، وما يمكن أن يحقق له الرضا عن الخدمات المطروحة، وطبيعة فهمه للصيغ التي يمكن طرح الخدمات الإلكترونية من خلالها، ومدى قابلية شرائح معينة في المجتمع للتأقلم مع طبيعة هذه الخدمات ومتطلباتها.

من جهةٍ أخرى، تحتاج الكوادر العاملة في إطار مشاريع تطوير البينة التحتية الإلكترونية إلى نوع خاص من المعرفة والتي تتطلب من الموظف فهم لغة الحوار مع المستخدم، وتقديم نماذج لمسميات مختصرة حول الكثير من الخدمات بأساليب لغوية اتصالية تتناسب مع اللغة المحلية، وتقدم تبسيطاً للخدمات، وتسهّل من عملية وصول المستخدم لتلك الخدمات، من خلال استحداث واجهة مستخدم ميسّرة وسهلة الفهم للمستخدمين، وهذه المستهدفات لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال كادر مهني محلي قادر على تنفيذ تلك الأفكار باستخدام اللغة المشتركة المحلية التي يفهمها هو أكثر من الكادر الأجنبي.

ومن هنا فإن الاقتصاد المعرفي بتشعباته الكثيرة، وبتداخلاته المتنامية اليوم، ليس مجرد معرفة مكتسبة أو مدروسة، ولكنه في كثيرٍ من الأحيان يمثل امتلاكاً لأدوات معرفية، قد تبدو للبعض أنها ذات قيمة ثانوية، إلا أنها في حقيقتها تعتبر لب المعرفة المطلوبة عندما يتعلق الأمر بتوجيه خدمات محلية لجمهور محلي، حيث تصبح الحاجة إلى مخاطبة ذلك الجمهور بلغته ومن خلال ثقافته أمراً بالغ الأهمية عند الشروع في تنفيذ مشاريع تتعلق بالتنمية الإلكترونية.

ولايزال الاقتصاد المعرفي يقدم لنا يوماً بعد يوم الكثير من الرؤى الجديدة، التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند رسم السياسات ووضع الآليات المطلوبة لتنفيذ مستهدفات التنمية الإلكترونية على نطاق محلي أو عالمي. فاقتصاد المعرفة هو المتحكم اليوم بأدوات رسم تلك السياسات، وسيتنامى دوره بشكل كبير خاصةً في مستقبلٍ بات من الواضح أن المعرفة فيه ستصبح المسيّر الحقيقي لكل ما تتطلبه قاطرة التطوير والتنمية محلياً وعالمياً.