لقاح الأمل

جريدة الرياض
11-08-2020

في كل مرة يتفشى فيها مرض معدٍ جديد في مكان ما من هذا العالم الصغير تتجه الأنظار نحو اللقاحات! من ومتى سيتم اكتشاف هذا اللقاح؟ ومع تزايد أعداد المصابين وانتشار المرض على أوسع نطاق يبدأ السباق بين الأمم، وتتم المعاهدات للالتزام بتسخير كافة الموارد المتاحة لإنقاذ البشرية واكتشاف اللقاح!

عبر التجارب التي خاضها الإنسان على هذه الأرض أثبتت اللقاحات فعاليتها، فمنذ اكتشاف لقاح الجدري الذي ساهم في القضاء على هذا المرض الذي كان قبل ذلك يودي بحياة الملايين لمع نجم اللقاحات وتلتها ملاحم كثيرة تؤكد ذلك مع عدد كبير من الأمراض حققت فيها اللقاحات نصراً مبهراً وساهمت في السيطرة على عدد من الأمراض كالحصبة وشلل الأطفال، وقللت من خطورة أخرى كالإنفلونزا والحمى الشوكية، وساهمت في عدم تطور بعض منها لمضاعفات قد تصل لأورام سرطانية.

الجهاز المناعي للإنسان معقد يحمي الإنسان عبر عمليات دفاعية مختلفة وجنود منوعين يقاتلون بأساليب مختلفة ومهام محددة لحماية الجسم من الدخلاء، اللقاحات تعمل على تنشيط الجهاز المناعي وتسريع استجابته للجرثومة عبر تدريبه على التعرف عليها قبل أن يصاب بالعدوى بها ويقاومها ويحاربها ويقضي عليها قبل أن تسبب له المرض، وذلك عبر ما يحتويه اللقاح، فإما أن يحتوي على أجزاء من الجرثومة نفسها أو جرثومة ضعيفة غير قادرة على الإمراض، أو مركبات جينية مشابهة لتلك التي تتكون منها الجرثومة وغيرها من التقنيات التي تؤدي إلى نفس النتيجة.

على الرغم من أن تحديات اكتشاف اللقاحات كثيرة ومتعددة إلا أن تلك التي تخص اكتشاف لقاح لفيروس كورونا المستجد أكبر، فالحاجة ملحة والجائحة تاريخية تجاوز أثرها اعتلال الصحة إلى كافة جوانب الحياة! الفعالية وإحداث الأثر المطلوب دون إضرار بسلامة الإنسان عبر آثار جانبية خطيرة مقاربة لخطورة المرض نفسه تحدٍ يجب تجاوزه عبر مراحل متعددة تحتاج لوقت طويل ربما يتجاوز الأشهر إلى السنوات، وهو تحدٍ آخر يواجه العلماء نظراً للحاجة الماسة للقاح فعال آمن لإيقاف هذه الجائحة التي غيرت العالم الذي نعرفه، استمرار المناعة المكتسبة من اللقاح يعد أيضاً تحدياً، فيجب تحديد ما إذا كنا بحاجة لجرعات متعددة لضمان استمرار المناعة لوقت طويل أو جرعة واحدة كافية لذلك، ثم تأتي تحديات التصنيع والتوزيع وغيرها من التحديات التي لا مناص من التغلب عليها في سبيل الوصول للهدف.

أكثر من 140 لقاحاً لفيروس كورونا المستجد تحت الدراسة والتطوير بعضها وصل لمراحل متقدمة من التجارب السريرية والأمل يبقى حياً ويجب ألا يموت بالعجلة والتسرع، فما زال في أيدينا أسلحة قوية كلبس الكمامة في الأماكن العامة والمحافظة على المسافة الآمنة والبعد عن التجمعات وغسل اليدين بشكل متكرر ربما أصابتنا بالإرهاق وساهمت مع الفيروس في تغيير طبيعة حياتنا ولكن التجارب في بلدنا وحول العالم أثبتت فعاليتها في السيطرة على انتشار كورونا، وساهمت في تناقص أعداد الإصابة وقللت من الخسائر، وأسهمت في عودة الحياة جزئياً لما كانت عليه قبل الجائحة، واستمرارنا في تطبيقها سيجنبنا مساوئ التسرع في اعتماد لقاح ربما في أفضل الأحوال يكون عديم الفاعلية والأسوأ أن يكون أخطر من الإصابة بالفيروس ناهيك عن إمكانية تسببه في توسيع الفجوة ما بين الناس واللقاحات بدعمه لمناهضي التطعيمات بالأدلة والشواهد!

ومضة

نتعلم من تجاربنا ونحيا يومنا بحذر وأمل لغد مشرق تعود له حياتنا بكل تفاصيلها الجميلة، وإن قالت منظمة الصحة العالمية إنها من الممكن ألا تعود قريباً!

  • أستاذ طب المجتمع والوبائيات