دلوني على السوق

جريدة الرياض
11-08-2020

في ضفاف اجتماعٍ لرواد الأعمال التقيت الدكتور عبدالله بن عبد المحسن الزامل، تحدثتُ معه عن تقاعده المُبكر وهو الذي أتى بشهادةٍ عُليا في إدارة الأزمات من الولايات المُتحدة الأميركية، في زمنٍ يُحتاج إليه تنتظره مهام، وقد تكون له مناصب في وزارة التعليم؛ لا سيما أن العائدين من الابتعاث قلة؛ تحتاجهم الوزارة، فخدمةُ وطنهم واجب لكون الدولة صرفت عليهم مالاً ووقتًا؛ فحريٌ أن يؤدوا ما عليهم من دينٍ تجاه دينهم ومليكهم ووطنهم. انهمر بالحديث مُعقبًا على جملتي الأخيرة، أتظنُ أن خدمة الدين والمليك والوطن مُقتصرةٌ على العمل الوظيفي- كَبُر ذلك العمل أم صغر؟ مع إيماني أن ذلك قد يكون صحيحًا؛ لكن أراهُ من فروض الكفاية، فخدمةُ الدين والمليك والوطن في مناحٍ شتّى، فالعملُ في الزراعة وتأمين الغذاء من الواجبات التي تتحتم على المرء، والعملُ في الجانب الصحي من توفير الأدوية وبناءِ المستشفيات- صَغُرت أم كَبُرت، والعمل في التجارةِ بكلِ أنواعها وأصنافها، وتوفير السكن بكلِ تفاصيله من مخططاتٍ مدروسة وتهيئة المناسب للفئات المختلفة، وتأمين ما يتطلبهُ المسكن من أدواتٍ كهربائية وسباكةٍ وأبوابٍ ونوافذ وغيرها، كُل هذا يندرج تحت خدمة الدين والمليك والوطن؛ إذ إن العمل في السلك الوظيفي وسيلةٌ من الوسائل إذا أُديت من البعض سقطت من الباقين، بل أصبح لزامًا على المقتدرين أن يؤدوا ما عليهم من واجبات في مجالاتٍ عدة، التعرف على السوق في بلد كالمملكة العربية السعودية والذي يُنظر إليه كبلدٍ نامٍ يهفو إلى أن يكون بمصاف الأمم المتقدمة، وبالفعل صار وسيكون -بإذن الله- أكبر. إن من ينظر إلى رؤيتنا الوطنية 2030، ومن يتفحصها ويتمعنُ النظرُ فيها يُدرك أن الوطن مُشرع للعملِ التجاري والصناعي وغيرهما وما يُعرف بالعمل الحر، وإن كنت أتحفظ على الكلمة؛ إذ إن العمل التجاري مُنضبطٌ بقوانين تضبطُ مساره، حرٌ من حيث اختيار المناسب من أنواع التجارة وفروعها؛ إلا أنّه تحت مظلة النظام والقانون. قاطعتهُ، ألا يمكن أن تكون هذه الرؤى والتجارب في كتابٍ ليستفيد منه المقبلون من الشباب على العمل في القطاعات المختلفة؟ فالمملكة شابة، وجيلُ الشباب قد يحتاج إلى من يُنير له الطريق. صحيح، والنيّة موجودة، وقد كتبتُ كُتيّبًا عن نجاحاتٍ من الصحراء، أشرتُ فيه إلى أولئك الذين شقوا طريقهم في مجالاتٍ عدة، وهناك من شيوخنا الذين عملوا بالتجارة ونجحوا بها، وأصبحوا رموزًا يُحتذى بها، وهناك من كتب سيرته كشيخنا سليمان الراجحي، وكذلك صدرَ حديثًا كتاب "رحلةٌ بين قرنين" للشيخ محمد بن إبراهيم الخضير، وهو من أوائل -إن لم يكن الأول- الذين أسهموا بفكرهم ومالهم في جانبٍ مهم، وهو الجانب التعليمي والتربوي، كان ذلك الشيخ أستاذاً لمادة اللغة الإنجليزية واستثمر تجربته في مجال التعليم لإدراكه أن الوطن بحاجةٍ إلى هذا المجال، وأصبح قدوة، يقتدي به من بعده والذين أسهموا في افتتاح العديد من المدارس في التعليم العام والجامعي. وكذا الشيخان الفاضلان عبد اللطيف ومحمد الفوزان اللذان بدأا من لا شيء كما يقولان، ووُفِقا وأثريا بفضل الله ثم بعزمهما وصدقهما وإخلاصهما لعملهما ودينهما ووطنهما وملكيهما، وقدما لوطنهما ما يستحقُ منهما وما آخرهُ المستشفى المتنقل بسعة مئة سرير بمكة المكرمة. وكذا الشيخ الفاضل سليمان بن عبد القادر المهيدب الذي له إسهامات تُذكر فتُشكر في مجال العمل الغذائي وغيره، قدّم لوطنه الكثير والكثير ومنها المستشفى المتنقل بالمدينة المنورة بسعة مئة سرير. ومن أولئك الذين انخرطوا بالعمل التجاري الشيخ عبد العزيز الشويعر، هو ذلك الرجل الذي عُرف بعصاميته وعمل بظروفٍ صعبة من حيث التواصل الاجتماعي والخارجي، وأصبح رمزًا من رموز العطاء الوطني وحصل على أوسمةٍ عُليا في هذا المجال. ومن أولئك الشيخ عبد الله العثيم الذي عُرف بإسهاماته الوطنية وأكرمه أمير منطقة القصيم بتسمية أحد شوارع مدينة بريدة باسمه. غنيٌ عن القول إن بلادنا بكرٌ بعقول أبنائها وأرضها واقتصادها واستثمار خيراتها، بلادنا واعدة على عطاءاتٍ متجددة، استثمارٌ في التعليم والصحة والصناعة والزراعة، شبابُ المملكة موهوبٌ ومعطاء مُتفتح ينظرُ إلى المستقبل بعينين ثاقبتين في ظلّ حكومةٍ رشيدةٍ هيّأت كُل الظروف والإمكانات والمُساعدات من الصناديق المختلفة لتشجيعِ روّاد الأعمال من الشباب المُقبلين على العمل التجاري، فبلادنا تحتاج إلى سواعدِ أبنائها؛ كُلٌ في مجاله، وها هو السوق مُشرَعٌ بابه، وكما قال الصحابي عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - "دلوني على السوق".