أوقات الفراغ غنائم الحُجر الباردة

جريدة الرياض
09-07-2020

لا يخفى على الجميع أننا نشهد هذه الأيام أوقات فراغ قلما يتخللها عمل أو التزام خصوصًا مع ارتباطها بفترة الإجازة الصيفية، وتزامنها مع هذه الجائحة وما يصاحبها من أوقات يرغب فيها الشخص طواعية البقاء في المنزل طيلة يومه، فتُرانا نُهدّر هذه الفرص ولا نسعى لاقتناصها أو محاولة استغلالها، دون شعور منّا فيمر اليوم وتتبعه الأيام لينتهي الشهر بلا إنجاز يذكر.

ولكن لو توقفنا قليلاً واستشعرنا هذه الفرص العظيمة، وتلك الغنيمة الباردة، التي خلّفتها لنا هذه الأزمة، واستغللنا أوقاتنا المهدرة، ولممنا شتات فراغنا، ثم استدركنا ما يمكن استدراكه، وبدأنا بشحذ الهمم ورسم الخطط، وتقسيم الأهداف إلى خطوات، والتقدم في كل خطوة بنسبة رضا محددة سلفًا، لصعدنا سُلم الإنجاز وتحققت بذلك جُل أهدافنا، أو على الأقل لشعرنا بلذة مقاربة الإنجاز.

الآن ونحن قد أعتدنا المكوث طويلاً في المنزل، يتبادر إلى الأذهان بعض الأعمال التي حبذا لو فُعلت، أو حبذا لو بدأنا بها، إذًا ما المانع في ذلك؟ لماذا لا تفعل؟ ما الذي نجنيه من هذا التسويف؟ لم لا نبدأ باللبنة الأولى وهي العزم بالبدء؟، فنجدنا ولجنا رويدًا رويدًا في رتم انتهاز الوقت واستغلاله حتى لا نكاد ننتهي إلاّ بإنجاز ما خطّطنا له.

لا بد أن نخرج بعد انقضاء الوقت بحصيلة لا بأس بها من الإنجازات، وتحقيق أغلب ما تم تأجيله، لا بد أن نعيّ قيمة هذا الوقت فهو المعول الأساسي لحياة مكلّلة بالرضا والنجاح، لا يشوبها حسرات فوات الوقت.

كيف لا نولي الوقت جُلّ اهتمامنا والإسلام حث على استغلال الوقت، وساهم في ذلك حيث قسم حياة الفرد لمواقيت وحرّص على تقديمه فروضه وواجباته بوقت معين، لا تُقبل منه في عداها! كل هذا يصب في مصبّ استشعار قيمة الوقت وأهميته.

ونحن لو أمعنا النظر لوجدنا أن الوقت مع الإرادة يصنعان المعجزات، فإذا قُرنا بالتخطيط ثم التوكل على الله لحققنا كل ما نصبو إليه.

فـعند (تخصيص وقت لقراءة ورد يومي من القرآن) وكررنا هذا الورد على مدار الأسبوع أو الأسبوعين نجدّ أننا حفظناه فننتقل لما بعده ونوسع دائرة الإنجاز لنحفظ سورة ثم جزءا وأجزاء، كذلك بإمكاننا كسب عادة جديدة والتخلص من عادة سيئة مقابلها، وتنمية مهارات في هواية محببة إلى النفس، أو كسب مهارات في علوم جديدة، كل ما ذكر على سبيل المثال لا الحصر، قد يساهم في جدولة أوقاتنا وتنظيم سُويعاتنا حتى نصل أخيرًا إلى معرفة قيمة الوقت.

لو نهجنا هذا النهج لتغيرت نظرتنا للحياة، ولم نعد نتملل من طول اليوم، وتوسعت مداركنا، وأصبحت تستوعب كل ثانية مُهدرة، لأحببنا كُل ساعة في اليوم حيث إنها تُسهم في الحصاد المنتظر.

فالجميع يعي مقولة الوقت كالسيف، وبقي أن نحقق الجانب المطلوب ونقطعه نحن في سبيل تحقيق ذواتنا فبالوقت تبنى العقول والإرادات ونصل إلى كامل الأهداف، وبالوقت تنهض أمم وتنشأ حضارات.

لنجزم قطعًا أن نستغل أوقات فراغنا فإنا مردودها على النفس أعظم من انعكاسها على المجتمع وما إلى ذلك من النهضة بالعقول، وأخيرًا بقي أن ندرك أن (ما يذهب من أوقاتنا لا يعود) فلنحسن استغلاله، ولنكافئ أنفسنا على كل تقدم نحرزه في أي مجال أردناه ولنعزم أن نبقي حرصنا على الوقت منهج يحتذى به مدى الحياة، فالوقت يبني وتسويفه يهدم، الوقت يُقِدّم والإهدار به يتقادم بنا ويؤخرنا.