قيادي و أكاديمي

جريدة الرياض
08-07-2020

صبيحة يوم السبت تلقيت اتصالاً من الأخ إبراهيم الجماز وهو زوج إحدى بنات خالي معالي الدكتور منصور التركي - رحمه الله -. وبعد أن رددت على اتصاله وطلب مني أن أبعد عن الوالدة إن كانت قريبة مني فتأكدت من الخبر الذي خشيته، وهو أن الخال منصور قد فارق الحياة، وقد حدث ذلك في منزله وبين يدي زوجته الصابرة المحتسبة الخالة منيرة الراشد الحميد (أم ريان) والتي لم تغفل عنه للحظة خلال السنوات الماضية بعد أن ضعفت قواه فقد لازمته ورافقته في كل مكان يطلب هو الذهاب إليه، رحل الدكتور منصور ولن أتحدث هنا عن إنجازاته على الصعيد العملي فقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعى بما سجله كل من زامله وعمل معه حينما كان وكيلاً لوزارة المالية أو حينما كان مديراً لجامعة الملك سعود لما يقرب من عقدين من الزمن لقصص وأعمال دلت على إخلاصه ونزاهته، ولعل الصرح الهائل لمباني جامعة الملك سعود والذي شيد وافتتح خلال إدارته للجامعة قبل أكثر من ثلاثة عقود شاهداً على ذلك ولا تزال المباني مبهرة رغم مرور كل تلك السنين وعلى مستوى عال من الجودة مما دل علي دقة التنفيذ والتصميم، وقد ساهم وجود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - في إمارة الرياض في ذلك الوقت ومتابعته الدقيقة على تحقق ذلك الإنجاز بتلك السرعة والجودة العالية فقد كان - حفظه الله - داعماً ومحفزاً حتى تحقق الحلم.

لقد جمع الخال منصور صفات فريدة فقد كان - رحمه الله - ذا حضور قوي، وكان رجلا حازما لديه القدرة على أخذ القرارات بكل ثقه وتحمل مسؤوليتها رغم بساطته وتواضعه وروح الدعابة التي لا تخلو من حديثه، فمن المستحيل أن تجلس معه أو تحادثه عبر الهاتف ولو لدقائق دون أن تسمع منه دعابة قبل أن ينهي حديثه. ولعل تجرده من الأنانية صنع منه قدوة وقائدا، كان - رحمه الله - يحب مساعدة الجميع مع أني أذكر حينما كنت طالباً في الجامعة خلال إدارته للجامعة حدث لي ظرف ولم أستطع دخول الامتحان الفصلي الأول لأحد المواد فذهبت إليه ليسمح لي بحذف المادة وقد كانت مدة الحذف المسموحة قد انتهت منذ ساعات فقط، وبإمكان مدير الجامعة أن يستثني كما قال لي العميد فرفض أن يستثنيني ووجهني بأن أذهب لرئيس القسم وأشرح له ظرفي لكي يقبل بإعادة الامتحان دون أن أخبره بعلاقتي بمدير الجامعة، فلقد أمضيت سنوات طويلة في الجامعة ولم يعلم أحد بأن مدير الجامعة - رحمه الله - أنه خالي وحتى زملاء الدراسة لعلمي بأن ذلك سيغضبه وخصوصاً عدم وجود رابط من حيث اسم العائلة.

سلمنا بالقضاء والقدر وبأن الموت كما الحياة من سنن الله النافذة على البشر كافة، ومبعث حزننا أننا سنفتقد طلته المشرقة وروحه المرحة التي لا تفارقه في أصعب الظروف.. اللهم ارحم ذا الوجه الضاحك عبدك منصور التركي واجعله ضاحكاً مستبشراً عندك، واجمعنا به في جنات النعيم.