قيمة الإنسان وقيمة الأشياء

جريدة الرياض
31-03-2020

قال لي: عندنا مدير كبير وراتبه كذلك لكنه يستخدم سيارة عادية جدا، قلت هذه حرية شخصية، والسيارة وسيلة نقل فقط، الإنسان الواثق من نفسه يعرف أن عمله وكفاءته هي التي تعطيه قيمة، وليست سيارته أو ملابسه أو ساعته. ثم سألني: وهل ينطبق مبدأ الحرية الشخصية على الإسراف في إقامة الولائم التي ينتهي فيها مصير كميات كثيرة من الطعام في براميل النفايات؟ قلت هذا إسراف والإسراف سلوك نهى عنه الإسلام، قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).

العادة تتحول أحيانا إلى ما يشبه القانون، فتصبح المبالغة في موائد الطعام مثلا دليلا على الكرم وتقدير الضيف! وتصبح الممتلكات الشخصية باهظة الثمن دليل تميز ونجاح وتأثير.

من الحرية الشخصية أن يمتلك الإنسان ما يقدر على ثمنه، لكن ليس من المنطق تقييم الإنسان بممتلكاته وإنما بأخلاقه وإنجازاته وخدماته. الأخلاق والإنجازات والخدمات هي التي يجب أن تجذب الأضواء وليس الممتلكات أو الألقاب.

جاذبية الألقاب دفعت البعض للحصول على لقب (د) بوسائل مختلفة غير علمية وغير نظامية، السبب هو المفهوم الخاطئ للدكتوراه الذي أدى إلى وهج اجتماعي مبالغ فيه.

لا شك أن شهادة الدكتوراه إنجاز أكاديمي يؤهل صاحبها للبحث العلمي في مجال معين لمزيد من الإضافة العلمية.

البعض نظر إلى صاحب الدكتوراه أنه إنسان خارق ممكن أن ينجح في أي مجال وقد يخسر المجتمع إنسانا يملك طاقة علمية مميزة بسبب تحويله إلى عمل إداري، وقد يبدع صاحب الدكتوراه في العمل الإداري ليس بسبب الشهادة الأكاديمية ولكن لأنه يملك صفات وقدرات قيادية.

في الحياة العملية وفي مجالات مختلفة قصص نجاح وتميز وإبداع لأشخاص لم يكملوا تعليمهم الجامعي ليس لأن التأهيل العلمي غير مهم ولكن لأنه ليس العامل الوحيد المؤثر.

العوامل التي تساعد على النجاح متعددة ومنها التأهيل العلمي، ومنها كذلك وضوح الأهداف وتحديد الأولويات واستثمار الإمكانات البشرية والمادية والإرادة والتخطيط والتنظيم والتقييم وتقبل النقد، لن يكون مفاجئا أن الناجح (بالمظاهر) لا يتقبل النقد، وتبرز الشكليات لتغطي جوانب نقص كثيرة، ولن يفعل ذلك من يمتلك الثقة بالنفس وهذا الأخير يتعامل مع الآخرين بشكل طبيعي، لا يتعالى، يعترف بالفشل، لا تهمه الألقاب والشكليات.

كتبت الدكتورة ملحة عبدالله مقالا جميلا له علاقة بهذا الموضوع في «الرياض» بعنوان (حمى الوجاهة) تحدثت فيه عن الوجاهة المكتسبة وعن مصطلح القيمة، أقتبس منه هذا المقطع: (لا بد أن نعود إلى مصطلح القيمة، هناك قيمة المال، قيمة الحرية، قيمة الإنسان، وقيمة الأشياء، ومن المفزع أن تسود قيمة الأشياء على قيمة الإنسان في يوم يسود فيه إعلاء الإنسانية في جميع أنحاء العالم فقيمة الأشياء حينما تسود يتحول فيها المرء أو قل الإنسان هنا الى شيء والتشيؤ هو حينما يكون الإنسان سلعة يخضع لسلطة المال فيقع تحت نير هذه السلطة القاهرة التي تحدد مكانته).

وتشير الكاتبة في مقالها إلى أن قيمة الإنسان هي بحسب إنتاجه ونشاطه المجتمعي والمهني وجودة ما ينتج، وهذه القيم هي التي يجب تقديرها، وتعبيرا عن إعجابي بمقالها اقتبست عنوان هذا المقال من محتوى مقالها.