الإشاعة في الأزمات

جريدة الرياض
30-03-2020

الجديد في ظاهرة الإشاعات التي تنشأ في زمن الأزمات والأوبئة هو بث معلومات ونصائح طبية من أطباء، ومعلومات ونصائح اقتصادية من اقتصاديين، ثم يتضح فيما بعد أن كثيرًا منها يكون خطأً..

يرى علم النفس الاجتماعي أن للإشاعة شرطين رئيسين هما: أهمية القضية في المجتمع، ودرجة الغموض فيها. وقد أجرى عدد من علماء النفس الاجتماعي دراسات لقياس سرعة انتشار الإشاعات، وتبين أن لكل إشاعة جمهورها، ولكل تخصص أو اهتمام إشاعاته التي تنتشر فيه، وتكون الإشاعة خصبة بين الكوادر العليا أكثر من العمال، وبين الشباب أكثر من المسنين، وتنتشر في بيئات العمل أكثر من العاطلين، ويخضع انتشار الإشاعة إلى الخبرات الشخصية.

كانت الإشاعة قديماً تنتشر في المجتمع ببطء، ومصادرها معروفة، وتتمثل في وسائل إعلام تملكها الدولة أو الدول المحايدة والمعادية، وبالتالي يكون تداولها بين الناس محدودًا؛ أما الآن فقد صار الوضع يسيطر عليه تدفق المعلومات بشكل مفرط وسلس، ومن مصادر لا يمكن حصرها، وأسهمت تطبيقات التواصل الاجتماعية الكثيرة، وجهل كثير من الناس بخطورة كثافة المعلومات التي تصلهم دون فرز يوضح مستويات أهميتها، في تضييع كثير من الحقائق.

تمركزت الإشاعة في زمن وباء كورونا في المجتمع العربي، والسعودي بصفة خاصة، حول خمسة موضوعات، هي: كفاءة الحكومة في إدارة الأزمة، وخطورة انتشار الوباء في المجتمع، والنظافة الشخصية، والأمن الغذائي والاقتصادي، وأخيراً كثافة الوصفات الوقائية بالغذاء والأدوية الشعبية. وتحت هذه الموضوعات يوجد آلاف الإشاعات التي تنشأ وتنتشر وتموت يومياً، وهذه الموضوعات الأساسية قد تلخص المشهد الاجتماعي في زوايا الاهتمام بكورونا الظاهرة، إلا أنها تعكس قوة هيمنة تصريحات المؤسسة الأمنية والصحية على الإشاعات وقدرتها على ملء الفراغ بسرعة، ومن ثم إدارة الصورة الذهنية بمهنية عالية للمشهد المربك.

الجديد في ظاهرة الإشاعات التي تنشأ في زمن الأزمات والأوبئة هو بث معلومات ونصائح طبية من أطباء، ومعلومات ونصائح اقتصادية من اقتصاديين، ثم يتضح فيما بعد أن كثيرًا منها يكون خطأ.

من أبرز أسباب السيطرة على الإشاعات فيما يخص انتشار الوباء في المملكة هو توافر التصريحات الرسمية ومنشورات التوعية من وزارة الصحة، بشكل تغلّب كثيراً على الإشاعات المغلوطة، ويكمن الإبداع في مراهنة الحملة الإعلامية على الوقت، وعلى تطبيقات التواصل الاجتماعي وكل فضاء إلكتروني يلتقي فيه الناس مثل تويتر وواتساب وإنستغرام وسناب شات، بل ورسائل الجوال SMS.. أكثر من مراهنتها على مؤسسات الإعلام الرسمية، على الرغم من استفادتها منها، ويعكس إدارة الدور الإعلامي السعودي لإدارة أزمة الوباء مهنية عالية، وخاضت حرب شائعات غير معلنة، جنّبت الدولة خسائر رمزية واجتماعية واقتصادية كبيرة، ممكن أن تحدث بسبب التلاعب بالصورة الذهنية الشعبية عن الوباء.

أعلنت الأخبار عن القبض على مواطن نشر إشاعات عن انتشار وباء كورونا في محافظات القصيم، والقبض على بعض مشاهير السوشال ميديا الذين أظهروا أنهم يشربون مطهرات، مما يؤكد على أن الخطاب الأمني كان واضحاً بتصنيف الإشاعة في زمن الأزمات ضمن القضايا الأمنية الموجبة للتوقيف.

ليست الإشاعة اليوم عبارة عن كمية أخبار مغلوطة وتعالج بتجاهلها، بل صارت إحدى أدوات الحرب النفسية والمعنوية التي ينبغي التعامل معها أمنياً وإعلامياً، إذ إن حرب الشائعات تتطلب حضور المواطن الواعي الذي لا يستمد معلوماته وقت الأزمة إلا من خلال الدولة ومصادر المعلومات الرسمية، وأن يحرص على مراجعة ما ينشره عبر مواقع التواصل، وأن يكون حذرًا وحريصًا على التحقق من صدق ما ينشره؛ لأن هناك آخرين، سواء كانوا أفراداً أو دولاً أو أصدقاء أو أعداء أو شركات تسويق وجمع بيانات، يتابعون بدقة ما يتم تداوله في المجال العام من موضوعات، من خلال جمع وتصنيف ملايين الرسائل المتداولة يومياً وتحليلها، ويعاد توظيفها بأشكال متعددة.

لن يكون إعلامنا قبل كورونا هو إعلامنا بعدها، وذلك بعد نجاح تجربة إدارة كل مؤسسة برنامجها كاملاً، بما فيها الإدارة الإعلامية، حيث نجحت وزارتا الصحة والداخلية في توجيه الإعلام بشكل يؤكد القدرة على الوصول إلى جميع فئات المجتمع، وفي أشهر وسائل التواصل، وفي مدد يقظة تصل إلى رسالة كل خمس دقائق، مما يتطلب معه مراجعة سياسات المؤسسة الإعلامية الرسمية وتحديد أدوارها في الأزمات، وبناء سياسة إعلامية جديدة.