هكذا تتكلم بإتقان

جريدة الرياض
27-01-2020

كل الناس يتكلمون معًا، لكن هل كل كلام حوار حقيقي؟

لخّص الفيلسوف بول جرايس أصول الحوار ببلاغة، وهي أصول يجب اتّباعها إن أردت أن تقول كلامًا مفهومًا صحيحًا، وهي:

1) الكَم: لا إكثار ممل ولا إقلال مخل. إذا أكثرت في كلامك قَلَّ اهتمام من أمامك وكثرت أخطاؤك، وإذا اقتصرت على كُليمات قليلة فإنه لا يؤدي معناه ولا يُفهَم.

2) الكيف: لا تقل ما لا تعتقد، ولا تقل ما لا أصل له. إذا فعلتَ الأول كذبت، وإذا فعلت الآخر تخرّصت، فليكن كلامك قائمًا على شيء تؤمن به، وكذلك على شيء له أصل من الحقيقة.

3) الملاءمة: يجب أن يكون كلامك ذا صلة بالموضوع. ابتعد عن اللف والدوران، لا تمط الموضوع إلى درجات غير معقولة، لا تأتِ بأشياء غير ذات علاقة، اجعل كلامك في صلب المسألة.

4) الأسلوب. وهذه تندرج تحتها ثلاث قواعد وهي:

أ) الاختصار: أجب على قدر السؤال، وإن أردت أن تقول فقل ما يؤدي المعنى ولا تَزد، فالبعض يبالغ في شرح حتى الكلام المفهوم، وغالبًا جملة واحدة كافية.

ب) الترتيب: للجملة بناؤها وتركيبها الخاص. تستطيع أن تقول: هذا اختبار سهل، سهل هذا الاختبار، سهل الاختبار هذا. إعادة الترتيب لا تضر الفهم هنا، لكن بعض الجمل لا تستقيم، فلو جاء خالد ووبّخ صديقه صالحًا في خلافٍ بينهما، فتقول: وبّخ خالدٌ صالحًا. ويصح أن تقول: وبّخ صالحًا خالد. ولكن لو فعلتها بدون علامات إعرابية أو سياق واضح أتى لبسٌ، ولن يعرف القارئ من الموبِّخ والموبَّخ.

ج) الوضوح: التلميح جميل في مواضعه وكذلك التعريض، لكن الإفراط في ذلك يخل بالمعنى ويجعل الجملة مبهمة. كثرة استخدام المبني للمجهول مثلًا قد تضر المعنى، انظر للجملة: "أتى المدير محمد ثم خَلَفه المدير راشد، وقد أُمِر آنذاك ببناء فناء للمدرسة"، من أَمَرَ ببناء الفناء؟ وإلى أي فترة تشير "آنذاك"؟ عدم ربط الضمائر بالمذكورين أيضًا من أكثر ما يبهم الكلام، مثل: "تحاور عبدالله وفيصل، وقال له إنه أخبره أنه يوافقه في اقتراحه، لكن سعدًا قال له إنه يوافقه مع تحفظات بسيطة". لا نعرف إلى من تشير الضمائر!

قد تبدو بدهية هذه الأصول، لكن الكثير جدًا يخالفونها باستمرار في حواراتهم، فراعِها.