أوهام التوسع

جريدة الرياض
26-01-2020

لم يكن حديث نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان لموقع فايس الأميركي عابراً يمكن تجاوزه بمجرد انتهائه؛ وإنما كان حديثاً عميقاً متوازناً وضحت فيه الحنكة السياسية وبلاغة الحضور والتعبير وقوّة الحجة والمنطق. حديث لخّص الأيديولوجية المتطرفة التي يعتنقها النظام الإيراني -وما زال- أيديولوجية وعقيدة دوغمائية وإقصائية اتّخذت من التحزّب والتمذهب والطائفية جسر عبور لأطماعها وأحلامها التوسعية ونزوعها للهيمنة، فقد وظّفت الإسلام الحزبي في جميع سلوكياتها وحوّلته من دين متسامح يستهدف خير البشرية جمعاء إلى إسلام فئوي ضيّق وطائفي بامتياز؛ وادّعت أنه هو الإسلام النقيّ وزعمت -فيما زعمت- أنها وحدها من تملك الحقيقة وتقبض على جوهر الدين الصحيح في حين أن الإسلام الحقيقي دين يجمع المختلفين ويؤلّف بينهم وينبذ الفُرقة والتحزب والطائفة الضيقة التي تشتّت ولا تجمع. هكذا تشرنق هذا النظام حول أيديولوجيته النابذة للآخر وقدّم نفسه للعالم بأنه مُحتَكِر للدين النقي الصافي عبر تصدير ثورته التي يعيد إنتاجها باستمرار دونما تنازل أو حتى فتح حوار إنساني وحضاري مع المختلفين معه عقدياً.

لقد كشف حوار الأمير خالد بن سلمان عن تهافت حُجَج النظام الإيراني ووهْنِ مزاعمه وأغاليطه التي تنطلق من أوهام ضخّمتها له أحلامه الباطلة، مؤكداً أن المملكة خير من كشف هذا النظام للآخرين وحذّر من سياسته التوسعية التي حاول أن يغطيها بخطاب متهافت وأن مفاوضاته التي تأخذ لبوس المُتسامح ما هي إلا محاولة لذرّ الرماد في العيون.

ملمح آخر لا يقل أهمية في حديث سمو نائب وزير الدفاع ويتمثّل في التأكيد على أن المملكة ماضية في مشروعها التحديثي والتنموي على جميع الأصعدة وبما يحقق رغد ورفاه الوطن والمواطن عبر قطار الرؤية 2030 الذي انطلق بسرعته المذهلة للعالم أجمع، رؤية تعمل على إصلاح اقتصادنا والاستفادة من الإمكانات غير المُستغلّة وفتح قطاعات جديدة وتحقيق الازدهار والتقدّم لشعبنا الأمر الذي يتطلب منطقة آمنة ومستقرة ومزدهرة وهذا ما تعمل بلادنا على جعله واقعاً حقيقياً لا شعارات فيه وتلاعب وتوظيفاً للخطابات وصناعة الشائعات وصوغ أساليب التحريض والكراهية.

يبقى أن نؤكد أن التجربة والواقع الممتد لعقود منذ اندلاع الثورة الخمينية ونظام إيران يكرّر ذات الأخطاء ولم يتعلّم من دروس التاريخ؛ فالمتابع العادي بات على معرفة يقينية من تهافت خطابه التحريضي والحزبي الطائفي وهشاشته من الداخل حتى وإن تمترس أو تشرنق حول أفكاره المنغلقة وفكره الدوغمائي.