قائمة الانحيازات الإدراكية

جريدة الرياض
25-01-2020

إن ما يهددنا اليوم، مؤسسات وأفرادًا، هو اتخاذ قرارات بناء على افتراضات خاطئة. وقد تبدو فكرة الافتراضات الخاطئة بدهية، وقد ننجح في الكشف عن هذه الافتراضات في مناسبات عديدة، لكننا نقع فيها دون أن نشعر كذلك. وعدم الشعور بهذه الافتراضات أمر يصعب الفكاك منه نظرًا لوقوعنا في انحيازات إدراكية لا إرادية يقع فيها الجميع. وقد عمل على اكتشافها باحثان حاز أحدهما، وهو دانيال كانمان، على جائزة نوبل في الاقتصاد؛ نظرًا لأهمية الكشف عن الدور الذي تؤديه الانحيازات الإدراكية في التأثير على القرارات التي نتخذها في حياتنا الخاصة والعملية. إن ما يعنينا اليوم هو جودة اتخاذ القرار التي تلقي بآثارها على جودة حياتنا اجتماعيًا واقتصاديًا.

من الانحيازات الإدراكية الشائعة ما يسمى الإدراك المتأخر، وهو الانحياز نحو تفسير الأشياء بعد وقوعها كما لو أن توقعاتنا لها قبل وقوعها كانت حتمية ولا تحتمل الخطأ. إننا دائمًا ما نشعر بالعجز أمام التنبؤ بالأحداث المستقبلية، كما يقول كانمان، مؤلف كتاب التفكير بسرعة وببطء؛ إنما نشعر بالثقة بعد حدوثه، كما لو أنه كان محسومًا. ستجد أن متخذ القرار يلام إذا أخطأ ولا يقدر إذا أصاب كما لو كان الأمر واضحًا من البداية كأننا نسينا الغموض الذي يحيط بالموقف حينئذ. ويماثل الإدراك المتأخر الخطأ في الحكم على النتائج المستقبلية عندما نغفل عن ظاهرة التراجع إلى المتوسط. فما أن يحقق أحدهم نتائج متميزة في كرة القدم مثلاً، كأن يسجل أحدهم أربعة أهداف في مباراة واحدة، يتصاعد الشعور بالإعجاب والتمجيد، حتى تتراجع النتائج إلى المتوسط، فلا يسجل أي هدف في ثلاث مباريات متتالية، فترتفع أصوات المتذمرين والساخطين شعورًا بأن مستوى اللاعب هبط، أو اتهامه بتذبذب المستوى. وربما فُسر عدم التسجيل بتأثير الإعلام الذي مجد اللاعب حتى أفقده تركيزه فأدى إلى هزيمة الفريق وخسارة البطولة، وهلم جرًا. ما لا يدركه المحللون أن مستوى اللاعب يتراجع ويتقدم صعودًا وهبوطًا نحو المتوسط، ولا علاقة للتأثيرات الخارجية أو النفسية في نتائجه بالضرورة. ومع ذلك، نشعر بأن انحيازنا نحو تحميل العوامل البيئية سبب فيما نراه من نتائج أقرب إلى التصديق من حتمية الانحياز نحو المتوسط.

في الاتجاه نفسه، نقع في الانحياز نحو الحكم على المستقبل قياسًا إلى تجاربنا المتأخرة لقرب عهدنا بها، لا باعتبار القياس المجرد أخذًا بالاعتبار الاحتمالات جميعها. ففي دراسة عن انطباعات المستثمرين عن أداء سوق الأسهم الأميركي للسنة المقبلة قياسًا إلى أدائه لثلاث سنوات، كانت انطباعات المستثمرين سلبية متأثرين بأداء السوق الضعيف في السنة التي أجريت فيها الدراسة، رغم أن أداء السوق كان ممتازًا في السنة السابقة لها. إن قرب العهد بالأحداث يؤثر في توقعاتنا مستقبلاً، فنميل إلى الحكم سلبًا أو إيجابًا قياسًا إلى تجاربنا الأكثر حضورًا في الذاكرة.